وقال القرطبي :« إن العرب إذا أرادت بالنظر الانتظار قالوا : نظرته، كما قال تعالى ﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ الساعة ﴾ [ الزخرف : ٦٦ ]، ﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ ﴾ [ الأعراف : ٥٣ ]، ﴿ مَا يَنظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً ﴾ [ يس : ٤٩ ]، وإذا أرادت به التفكر والتدبر قالوا : نظرت فيه، فأما إذا كان النظر مقروناً بذكر » إلى « وذكر الوجه فلا يكون إلا بمعنى الرؤية والعيان ».
وقال الأزهري :« إن قول مجاهد : تنتظر ثواب ربها خطأ؛ لأنه لا يقال : نظر إلى كذا بمعنى الانتظار، وإن قول القائل : نظرت إلى فلان ليس إلا رؤية عين، كذا تقوله العرب؛ لأنهم يقولون : نظرت إليه إذا أرادوا نظر العين، فإذا أرادوا الانتظار قالوا : نظرته »؛ قال :[ الطويل ]
٤٩٩٨ - فإنَّكُمَا إنْ تنْظُرَا لي سَاعةً | مِنَ الدَّهرِ تَنْفعْنِي لدى أمِّ جُندُبِ |
قال الشاعر :[ الطويل ]
٤٩٩٩ - نَظرْتُ إليْهَا والنُّجُومُ كأنَّها | مَصابِيحُ رُهبَانٍ تُشَبُّ لِقفَّالِ |
٥٠٠٠ - نَظَرْتُ إليْهَا بالمُحَصَّبِ من مِنى | ..................... |
وقال بعضهم : نسلم أنه من نظر العين إلا أن ذلك على حذف مضاف، أي ثواب ربها ونحوه.
قال مكي :« لو جاء هذا لجاز : نظرت إلى زيد، بمعنى : نظرت إلى عطاء زيد، وفي هذا نقض لكلام العرب وتخليط في المعاني ».
ونضَره الله ونضَّره، مخففاً ومثقلاً، أي : حسنه ونعمه.
قال ﷺ :« نَضَّر اللَّهُ أمْرأً سَمِعَ مَقالَتِي فوَعَاهَا، فأدَّاهَا كما سَمِعهَا » يروى بالوجهين.
ويقال للذهب : نُضَار من ذلك، ويقال له : النضر أيضاً.
ويقال : أخضر ناضر كأسود حالك، وقدح نضار : يروى بالإتباع والإضافة.
والعامة :« ناضرة » بألف، وقرأ زيد بن علي :« نضرة » بدونها، ك « فرح » فهو فرح.
فصل في الرؤية.
روى مسلم في قوله تعالى ﴿ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الحسنى ﴾ [ يونس : ٢٦ ] كان ابن عمر يقول : أكرم أهل الجنة على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية، ثم تلى :﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إلى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾.
وقال عكرمة : تنظر إلى ربها نظراً، وحكى الماوردي عن ابن عمر وعكرمة ومجاهد : تنظر أمر ربها، وليس معروفاً إلا عن مجاهد وحده.
وجمهور أهل السُّنَّة تمسك بهذه الآية لإثبات أن المؤمنين يرون الله - سبحانه وتعالى - يوم القيامة وأما المعتزلة فاحتجوا بقوله تعالى :﴿ لاَّ تُدْرِكُهُ الأبصار ﴾ [ الأنعام : ١٠٣ ]، ويقولون : النظر المقرون ب « إلى » ليس اسماً للرؤية، بل لمقدمة الرؤية، وهي تقليب الحدقة نحو المرئي التماساً لرؤيته، ونظر العين بالنسبة إلى الرؤية كنظر القلب بالنسبة إلى المعرفة، وكالإصغاء بالنسبة إلى السمع ويدل على ذلك قوله تعالى :﴿ وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ ﴾