﴿ وَلاَ تَنقُضُواْ الأيمان بَعْدَ تَوْكِيدِهَا ﴾ [ النحل : ٩١ ] وقوله تعالى :﴿ ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ ﴾ [ الحج : ٢٩ ] وهذا محتمل ليوفوا أعمال نسكهمُ التي ألزموها أنفسهم.

فصل في زيادة كان


قال الفراء وجماعة من أهل المعاني :« كان » في قوله تعالى :﴿ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً ﴾ زائدة وأما هاهنا فكان محذوفة، والتقدير : كانوا يوفون بالنذر.
قال ابن الخطيب : ولقائل أن يقول : إنا بينا أن « كان » في قوله تعالى :﴿ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً ﴾ ليست بزائدة، وأما في هذه الآية فلا حاجة إلى إضمارها؛ لأنه - تعالى - ذكر في الدنيا أن الأبرار يشربون أي : سيشربون، فإن لفظ المضارع مشترك ين الحال والاستقبال، ثم قال السبب في ذلك الثواب الذي سيجدونه أنه الآن يوفون بالنذر.
قوله :﴿ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً ﴾، أي : يخافون يوم القيامة، و « كَانَ شَرُّهُ » في موضع نصب صفة ل « يَوْم ».
و « المُسْتطِيرُ » : المنتشر، يقال : اسْتَطَار يَسْتطِيرُ اسْتيطَاراً، فهو مستطير، وهو « استفعل » من الطيران.
قال الأعشى :[ المتقارب ]
٥٠٣٤- فَبَانَتْ وقَدْ أسْأرَتْ في الفُؤا دِ صَدعاً على نَأيِهَا مُسْتَطيرَا
والعرب تقول : استطار الصدع في القارورة والزجاجة، أو استطال إذا امتدّ، ويقال : استطار الحريق إذا انتشر.
وقال الفرَّاء : المستطير : المستطيل، كأنه يريد أن مثله في المعنى، لأنه أبدل من اللام راء، والفجر : فجران، مستطيل كذنبِ السَّرحان وهو الكاذب، ومستطير، وهو الصادق لانتشاره في الأفق.
قال قتادة : استطار والله شرُّ ذلك اليوم حتى ملأ السماوات والأرض.
وقال مقاتل : كان شره فاشياً في السموات، فانشقت وتناثرت بالكواكبِ وفزعت الملائكة في الأرض، ونسفت الجبال وغارت المياه.
فإن قيل : أحوال القيامة وأهوالها كلها فعل الله تعالى، وكل ما كان فعلاً لله، فهو حكمه وصواب، وما كان كذلك لا يكون شرًّا، فكيف وصفها الله بأنها شرّ؟.
والجواب : إنما سميت شرًّا لكونها مضرة بمن تنزل عليه، وصعبة عليه كما سميت الأمراض، وسائر الأمور المكروهة شروراً.
قال ابن الخطيب : وقيل : المستطير هو الذي يكون سريع الوصول إلى أهله، وكأن هذا القائل ذهب إلى أن الطيران إسراع.
فإن قيل : لم قال : كان شره، ولم يفل : سيكون شره مستطيراً؟.
فالجواب : أن اللفظ وإن كان للماضي إلا أن معناه كان شره في علم الله وحكمته.
قوله :﴿ وَيُطْعِمُونَ الطعام على حُبِّهِ ﴾ وهذا الجار والمجرور حال إما من « الطعام » أي : كائنين على حبهم الطعام كقوله تعالى :﴿ وَآتَى المال على حُبِّهِ ﴾ [ البقرة : ١٧٧ ].
قال ابن عباس ومجاهد : على قلة حبهم إياه وشهوتهم له، وإما من الفاعل.
والضمير في « حبه » لله تعالى، أي : على حب الله، وعلى التقدير : فهو مصدر مضاف للمفعول.
قال الفضيل بن عياض : على حب إطعام الطَّعام.
قوله « مسكيناً ». أي : ذا مسكنة، « ويَتيماً » أي : من يتامى المسلمين « وأسِيراً » أي : الذي يؤسر فيحبس، وذلك أن المسكين عاجز عن الاكتساب بنفسه، واليتيم : هو الذي مات من يكتسب له، وبقي عاجزاً عن الكسبِ لصغره، والأسير : هو المأخوذ من قومه المملوك رقبة، الذي لا يملك لنفسه نصراً ولا حيلةً.


الصفحة التالية
Icon