والمعنى : كأن فيها، وتكون قد عطفت « رأيت » الثاني على الأول، ويكون فعل الجواب محذوفاً، ويكون فعل الجواب المحذوف هو الناصب لقوله تعالى :﴿ نَعِيماً ﴾ والتقدير : إذا صدر منك رؤية؛ ثم صدر منك رؤية أخرى رأيت نعيماً وملكاً فرأيت هذا هو الجواب.

فصل في بيان الخطاب لمن؟!


هذا الخطاب قيل : للنبي ﷺ.
وقيل : عامّ، والنعيم : ما يتنعم به.
والملك الكبير : قال سفيان الثوري : بلغنا أن الملك الكبير، تسليم الملائكة عليهم.
وقيل : كون التيجان على رءوسهم كما يكون على رءوس الملوك.
وقال السديُّ ومقاتل : هو استئذان الملائكة عليهم.
وقال الحكيم والترمذي : هو ملك التكوين إذا أراد شيئاً قال له : كن.
وفي الخبر : أن الملك الكبير هو أن أدناهم منزلة ينظر في ملكه مسيرة ألفي عام، يرى أقصاه كما يرى أدناه، وأن أفضلهم منزلة من ينظر في وجه ربِّه - تعالى - كل يوم مرتين.
و « عيناً » فيها من الوجوه ما تقدم، قوله « سلسبيلاً » السلسبيل : ما سهل انحداره في الحلق، قال الزجاج : هو في اللغة صفة لما كان في غاية السلاسة، وقال الزمخشري : يقال : شراب سلسل وسلسال وسلسبيل، وقد زيدت الباء في التركيب حتى صارت الكلمة خماسية، ودلت على غاية السلاسة.
قال أبو حيان : فإن كان عنى أنه زيدت حقيقة فليس بجيد؛ لأن الباء ليست من حروف الزيادة المعهودة في علم النحو، وإن عنى أنها حرف جاء في سنخ الكلمة، وليس في سلسل ولا سلسال؛ فيصح، ويكون مما اتفق معناه وكان مختلفاً في المادة.
وقال ابن الأعرابي : لم أسمع السلسبيل إلا في القرآن.
وقال مكي : هو اسم أعجمي نكرة فلذلك صرف. ووزن سلسبيل فعلليل مثل دردبيس.
وقيل : فعفليل؛ لأن الفاء مكررة.
وقرأ طلحة سلسبيل دون تنوين ومنعت من الصرف للعلمية والتأنيث؛ لأنها اسم لعين بعينها، وعلى هذا فكيف صرف في قراءة العامة؟ فيجاب أنها سميت بذلك لا على جهة العلمية بل على جهة الإطلاق المجرد، أو يكون من باب تنوين « سلاسل » و « قوارير » وقد تقدم.
وأغرب ما قيل في هذا الحرف : أنه مركب من كلمتين من فعل أمر وفاعل مستتر ومفعول، والتقدير سل أنت سبيلاً إليها.
قال الزمخشري : وقد عزوا إلى علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أن معناه سل سبيلاً إليها، قال : وهذا غير مستقيم على ظاهره إلا أن يراد أن جملة قول القائل : سل سبيلاً جعلت علماً للعين؛ كما قيل : تأبط شراً، وذرى حبًّا، وسميت بذلك؛ لأنه لا يشرب منها إلاَّ من سأل سبيلاً إليها بالعمل الصالح، وهو مع استقامته في العربية تكلف وابتداع وعزوه إلى مثل علي أبدع وفي شعر بعض المحدثين


الصفحة التالية
Icon