فأما قراءة نافع وحمزة، ففيها أوجه :
أظهرها : أن يكون خبراً مقدماً، و « ثياب » مبتدأ مؤخر.
والثاني : أن « عاليهم » مبتدأ، و « ثياب » مرفوع على جهة الفاعلية، وإن لم يعتمد الوصف، وهذا قول الأخفش.
والثالث : أن « عاليهم » منصوب، وإنما سكن تخفيفاً. قاله أبو البقاء.
وإذا كان منصوباً فسيأتي فيه أوجه، وهي واردة هنا، إلا أن تقدير الفتحة من المنقوص لا يجوز إلا في ضرورة أو شذوذ، وهذه القراءة متواترة، فلا ينبغي أن يقال به فيها، وأما قراءة من نصب، ففيه أوجه :
أحدها : أنه ظرف خبر مقدم، و « ثياب » مبتدأ مؤخر، كأنه قيل : فوقهم ثياب.
قال أبو البقاء : لأن عاليهم بمعنى فوقهم.
قال ابن عطية : يجوز في النصب أن يكون على الظرف؛ لأنه بمعنى فوقهم.
قال أبو حيان : وعالٍ وعالية اسم فاعل فيحتاج في إثبات كونهما ظرفين إلى أن يكون منقولاً من كلام العرب :« عاليك أو عاليتك ثوب ».
قال شهاب الدين : قد وردت ألفاظه من صيغة أسماء الفاعلين ظروفاً، نحو خارج الدار، وداخلها وظاهرها، وباطنها، تقول : جلست خارج الدَّار، وكذلك البواقي، فكذلك هنا.
الثاني : أنه حال من الضمير في « عَلَيْهِم ».
الثالث : أنه حال من مفعول « حَسِبْتَهُمْ ».
الرابع : أنه حال من مضاف مقدر، أي : رأيت أهل نعيم وملكٍ كبير عاليهم، ف « عَاليهم » حال من « أهل » المقدر، ذكر هذه الأوجه الثلاثة : الزمخشري، فإنه قال :« وعاليهم » بالنصب على أنه حال من الضمير في « يطوف عليهم » أو في « حسبتهم » أي : يطوف عليهم ولدان عالياً للمطوف عليهم ثياب، أو حسبتهم لؤلؤاً عالياً لهم ثياب، ويجوز أن يراد : رأيت أهل نعيم وملك عاليهم ثياب.
قال أبو حيان : أما أن يكون حالاً من الضمير في « حَسِبْتَهُمْ »، فإنه لا يعني إلا ضمير المفعول، وهو لا يعود إلا على « ولدان »، وهذا لا يصح؛ لأن الضمائر الآتية بعد ذلك تدل على أنها للمعطوف عليهم من قوله تعالى ﴿ وحلوا ﴾، ﴿ وَسَقَاهُمْ ﴾ و ﴿ إِنَّ هذا كَانَ لَكُمْ جَزَآءً ﴾ وفك الضمائر يجعل كذا وذلك كذا مع عدم الاحتياج إلى ذلك، والاضطرار إلى ذلك لا يجوز، وأما جعله حالاً من محذوف، وتقديره : أهل نعيم، فلا حاجة إلى ادعاء الحذف مع صحة الكلام وبراعته دون تقدير ذلك المحذوف.
قال شهاب الدين : جعل أحد الضمائر لشيء، والآخر لشيء آخر لا يمنع صحة ذلك مع ما يميز عود كل واحد إلى ما يليق به، وكذلك تقدير المحذوف غير ممنوع أيضاً وإن كان الأحسن أن تتفق الضمائر وألاَّ يقدر محذوف، والزمخشري إنما ذكر ذلك على سبيل التجويز لا على سبيل أنه مساوٍ أو أولى، فيرد عليه ما ذكره.


الصفحة التالية
Icon