قوله تعالى :﴿ إِنَّ هذا كَانَ لَكُمْ جَزَآءً ﴾، أي : يقال لهم : إن هذا كان حزاؤكم، أي : ثواب أعمالكم، فيزداد بذلك القول فرحهم وسرورهم، كما أن المعاقب يزداد غمّه، إذا قيل له : هذا جزاء عملك الرديء « وكَانَ سَعيُكُمْ » أي : عملكم « مَشْكوراً » أي : من قبل الله وشكره للعبد قبُول طاعته وثناؤه عليه وإثابته.
وقال قتادةُ : غفر لهم الذنب وشكر لهم الحسنى.
وقيل : هذا إخبار من الله - تعالى - لعباده في الدنيا كأنه - تعالى - شرح لهم ثواب أهل الجنة، أي أنَّ هذا كان في علمي وحكمي جزاء لكم يا معاشر عبيدي لكم خلقتها ولأجلكم أعددتها.

فصل في الكلام على الآية


قال ابن الخطيب : وفي الآية سؤالان :
الأول : إذا كان فعل العبد خلقاً لله - تعالى - فكيف يعقل أن يكون فعل الله - تعالى - جزاء على فعل الله؟.
والجواب : أن الجزاء هو الكافي وذلك لا ينافي كونه فعلاً لله.
السؤال الثاني : كون سعي العبد مشكوراً يقتضي كون الله شاكراً له؟.
والجواب : كون الله - تعالى - شاكراً للعبد محال إلى على وجه المجاز، وهو من ثلاثة أوجه :
الأول : قال القاضي : إن الثواب مقابل لعملهم كما أن الشكر مقابل للنعم.
والثاني : قال القفال : إنه مشهور في كلام الناس أن يقولوا للراضي بالقليل والمثنى به أنه مشكور، فيحتمل أن يكون شكر الله لعباده، وهو رضاه عنهم بالقليل من الطاعات وإعطائه إياهم عليهم ثواباً كبيراً.
الثالث : أن منتهى درجة العبد راضياً من ربه مرضيًّا لربه، كما قال تعالى :﴿ ياأيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً ﴾ [ الفجر : ٢٧- ٢٨ ]، وكونها راضية من ربه أقلُّ درجة من كونها مرضية لربه، فقوله تعالى :﴿ إِنَّ هذا كَانَ لَكُمْ جَزَآءً ﴾ إشارة إلى الأمر الذي تصير به النفس راضية مرضية، وقوله :﴿ وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً ﴾ إشارة إلى كونها مرضية لربها لما كانت الحالة أعلى المقامات وآخر الدرجات لا جرم وقع الختم عليها في ذكر مراتب أحوال الأبرار والصديقين.


الصفحة التالية
Icon