قوله تعالى :﴿ يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ ﴾. أي : يدخله الجنة راحماً له.
قال ابن الخطيب : إن فسرنا الرحمة بالإيمان فالآية صريحة في أن الإيمان من الله تعالى وإن فسرناها بالجنة كان دخول الجنة بسبب مشيئته بسبب مشيئة الله تعالى وفضله، وإحسانه لا بسبب الاستحقاق؛ لأنه لو ثبت الاستحقاق لكان تركه يفضي إلى الجَهْل أو الحاجة، وهما محالان على الله تعالى، والمفضي إلى المحال محال، فتركه محال، فوجوده واجبٌ عقلاً، وعدمه ممتنعٌ عقلاً، وما كان كذلك لا يكون معلقاً على المشيئة ألبتة.
قوله :﴿ والظالمين ﴾، أي : ويعذّب الظالمين، وهو منصوب على الاشتغال بفعل يفسره « أعَدَّ لَهُمْ » من حيث المعنى لا من حيث اللفظ، تقديره : وعذب الظالمين، ونحوه :« زيداً مررت به » أي : جاوزت ولابست. وكان النصب هنا مختاراً لعطف جملة الاشتغال على جملة فعلية قبلها، وهو قوله « يُدْخِلُ ».
قال الزجاج : نصب « الظَّالمينَ » لأن قبله منصوباً، أي : يدخل من يشاء في رحمته ويعذب الظالمين، أي : المشركين، ويكون « أعَدَّ لَهُمْ » تفسيراً لهذا المضمر؛ قال الشاعر :[ المنسرح ]
٥٠٥٣- أصْبَحتُ لا أحْمِلُ السِّلاحَ ولا | أمْلِكُ رَأسَ البَعيرِ إنْ نَفَرَا |
والذِّئْب أخْشَاهُ إنْ مَررْتُ بِهِ | وحْدِي وأخْشَى الرِّيَاحَ والمَطَرَا |
قال الزجاج : والاختيار النصب. وإن جاز الرفع.
وقوله تعالى في « حَم عَسق » :﴿ يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ والظالمون ﴾ [ الشورى : ٨ ] ارتفع لأنه لم يذكر بعده فعل يقع عليه فنصب في المعنى، فلم يجز العطف على المنصوب قبله فارتفع بالابتداء، وهاهنا قوله :﴿ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً ﴾ يدل على « ويُعَذِّبُ » فجاز النصب.
وقرأ الزبير، وأبان بن عثمان، وابن أبي عبلة :« والظَّالمُونَ » رفعاً على الابتداء، وما بعده الخبر، وهو أمر مرجوح لعدم المناسبة.
وقرأ ابن مسعود :« ولِلظَّالِمينَ » بلام الجر، وفيه وجهان :
أظهرهما : أن يكون « للظَّالمين » متعلقاً ب « أعَدَّ » بعده، ويكون « لَهُمْ » تأكيداً.
والثاني : وهو ضعيف، أن يكون من باب الاشتغال، على أن يقدر فعلاً مثل الظاهر، ويجر الاسم بحرف الجر، فتقول :« بزيد مررت به » أي : مررت بزيد مررت به، والمعروف في لغة العرب مذهب الجمهور، وهو إضمار فعل ناصب موافق لفعل الظاهر في المعنى، فإن ورد نحو « بزيد مررت به » عُدَّ من التوكيد لا من الاشتغال. والأليم : المؤلم.
روى الثَّعلبيّ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله ﷺ :« مَنْ قَرَأ سُورَة ﴿ هَلْ أتى عَلَى الإنسان ﴾ كَانَ جَزَاؤهُ عَلى اللهِ تَعَالى جَنَّةً وحَرِيراً ».