والثاني : أن يكونا جمع عذير، ونذير، المراد بهما المصدر، بمعنى الإعذار والإنذار، كالنكير بمعنى الإنكار.
الثالث : أنهما منصوبان على الحال من « الملقيات » أو من الضمير فيها، وحينئذ يجوز أن يكونا مصدرين واقعين موقع الحال، بالتأويل المعروف في أمثاله، وأن يكونا جمع « عذير ونذير » مراداً بهما المصدر، أو مراداً بهما اسم الفاعل بمعنى المعذر والمنذر، أي : معذرين، أو منذرين.
وقرأ العامة : بسكون الذَّال من ﴿ عُذْراً أَوْ نُذْراً ﴾.
وقرأ زيد بن ثابت، وابن خارجة، وطلح : بضمها.
والحرميَّان، وابن عامر، وأبو بكر، بسكونها في « عُذْراًَ » وضمها في « نُذْراً »، والسكون والضم - كما تقدم - في أنه يجوز أن يكون كل منهما أصلاً للآخر، وأن يكونا أصلين، ويجوز في كل من المثقّل والمخفّف أن يكون مصدراً، وأن يكون جمعاً سكنت عينه تخفيفاً.
وقرأ إبراهيم التيمي :« عُذْراً ونُذْراً » بواو العطف موضع « أو »، وهي تدل على أن « أو » بمعنى الواو.
فصل في معنى الآية
والمعنى : يلقي الوحي إعذاراً من الله تعالى وإنذاراً إلى خلقه من عذابه. قاله الفراء.
وروي عن أبي صالحٍ قال : يعني الرسل يعذرون وينذرون.
وروى سعيد عن قتادة :« عُذْراً » قال : عذراً لله - تعالى - إلى خلقه، ونذراً للمؤمنين ينتفعون به ويأخذون به، وروى الضحاك عن ابن عباس - رضي الله عنهما - :« عُذْراً » أي : ما يقبله الله - تعالى - من معاذير أوليائه، وهي التوبة « أو نُذْراً » ينذر أعداءه.
فصل في المراد بهذه الكلمات الخمس
قال ابن الخطيب : اعلم أن هذه الكلمات الخمس، إما أن يكون المراد منها جنساً واحداً، أو أجناساً مختلفة، فالأول فيه وجوه :
أحدها : أن المراد بها الملائكة والمرسلات هي الملائكة الذين أرسلهم الله - تعالى - إما لإيصال النِّعمة إلى قوم أو لإيصال النقمة إلى آخرين، وقوله تعالى :« عُرْفاً » إما أن يكون العُرْف هو الذي ضد النُّكر، فإن كانوا الملائكة المبعوثين للرحمة، فالمعنى فيهم ظاهر وإن بعثوا للعذاب فذلك العذاب وإن لم يكن معروفاً للكفَّار فإنه معروف للأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - والمؤمنين، أو يكون العرف التَّتابع، وقوله تعالى :﴿ فالعاصفات عَصْفاً ﴾ فمعناه أن الملائكة عصفوا في طيرانهم كعصف الرياح، أو يعصفون بروح الكافرِ، يقال : عصف بالشيء إذا أباده، وقوله تعالى :﴿ والناشرات نَشْراً ﴾ أي : أنهم نشروا أجنحتهم عند انحطاطهم إلى الأرض، أو نشروا الرحمة والعذاب، أو المراد الملائكة الذي ينشرون الكتب التي فيها أعمال بني آدم يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً، وقوله تعالى :﴿ فالفارقات فَرْقاً ﴾ أي : أنهم يفرقون بين الحق والباطل، وقوله :﴿ فالملقيات ذِكْراً ﴾ أي أنهم يلقون الذِّكرَ إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.