ثم بين وقت وقوعه فقال تعالى :﴿ فَإِذَا النجوم طُمِسَتْ ﴾ اي : ذهب ضوؤها، ومُحِيَ نورها كطَمْسِ الكتاب، يقال : طمس الشيء إذا درس، وطمس فهو مطموس، والريح تطمس الآثار، فتكون الريح طامسة، والأثر طامس بمعنى مطموس.
قال ابن الخطيب : ويحتمل ان تكون محقت ذواتها، وهو موافق لقوله تعالى :﴿ نُشرت ﴾.
و « النُّجومُ » مرتفعة بفعل مضمر يفسره ما بعده عند البصريين غير الأخفش، وبالابتداء عن الكوفيين والأخفش.
وفي جواب « إذا » قولان :
أحدهما : محذوف، تقديره : فإذا طمست النجوم وقع ما توعدون، لدلالة قوله إنما توعدون لواقع أو بان الأمر.
والثاني : أنه « لأيَِّ يَومٍ أجِّلتْ » على إضمار القول، أي يقال : لأي يوم أجّلت، فالفعل في الحقيقة هو الجواب.
وقيل : الجواب :« وَيْلٌ يَوْمَئذٍ ». نقله مكي، وهو غلط؛ لأنه لو كان جواباً للزمته الفاء لكونه جملة اسمية.
قوله تعالى :﴿ وَإِذَا السمآء فُرِجَتْ ﴾. أي : فتحت وشقّت، ومنه قوله تعالى :﴿ وَفُتِحَتِ السمآء فَكَانَتْ أَبْوَاباً ﴾ [ النبأ : ١٩ ]، والفَرْجُ : الشقُّ، ونظيره :﴿ إِذَا السمآء انشقت ﴾ [ الانشقاق : ١ ] ﴿ وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السمآء بالغمام ﴾ [ الفرقان : ٢٥ ].
وروى الضحاك عن ابن عباس :- رضي الله عنهم - قال : فرجت للطي.
قوله تعالى :﴿ وَإِذَا الجبال نُسِفَتْ ﴾ أي : ذهب بها كلها بسرعة، من أنسفت الشيء إذا اختطفته، وقيل : تنشق كالحب المغلق إذا نسف بالمنسف، ومنه قوله تعالى :﴿ لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي اليم نَسْفاً ﴾ [ طه : ٩٧ ]، ونظيره :﴿ وَبُسَّتِ الجبال بَسّاً ﴾ [ الواقعة : ٥ ] ﴿ وَكَانَتِ الجبال كَثِيباً مَّهِيلاً ﴾ [ المزمل : ١٤ ] ﴿ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً ﴾ [ طه : ١٠٥ ].
وقرئ :« طُمّست، وفُرّجت، ونُسّفت » مشددة.
وكان ابن عباس يقول : سويت بالأرض، والعرب تقول : فرس نسوف، إذا كان يؤخر الحزام بمرفقيه؛ قال بشرٌ :[ الوافر ]
٥٠٥٥- نَسُوفٌ لِلحزَامِ بِمرْفقيْهَا | ................................ |
قوله :﴿ وَإِذَا الرسل أُقِّتَتْ ﴾. قرأ أبو عمرو :« وقِّتَتْ » بالواو، والباقون : بهمزة بدل الواو. قالوا : والواو هي الأصل؛ لأنه من الوقت، والهمزة بدل منها لأنها مضمومة ضمة لازمة، وكل واو انضمت وكانت ضمتها لازمة تبدل على الاطراد همزة أولاً، تقول : صلى القوم إحداناً، تريد : وِحدَاناً، وهذه أجوه حسان؛ لأن ضمة الواو ثقيلة وبعدها واو فالجمع بينهما يجري مجرى المثلين فيكون ثقيلاً، ولم يجز البدل في قوله تعالى ﴿ وَلاَ تَنسَوُاْ الفضل بَيْنَكُمْ ﴾ [ البقرة : ٢٣٧ ] ؛ لأن الضمة غير لازمة، قال الفراء. وقد تقدم ذكر ذلك أول الكتاب.
فصل في المراد بالتأقيت
قال مجاهد والزجاج : المراد بهذا التأقيت تبيين الوقت الذي تحضرون فيه للشهادة على أممكم، أي : جمعت لوقتها ليوم القيامة، والوقت : الأجل الذي يكون عنده الشيء المؤخر إليه، فالمعنى : جعل لها وقت وأجل للفصل والقضاء بينهم وبين الأمم، كقوله تعالى :﴿ يَوْمَ يَجْمَعُ الله الرسل ﴾ [ المائدة : ١٠٩ ].
وقيل : المراد بهذا التأقيت تحصيل الوقت وتكوينه، وليس في اللفظ بيان أنه يحصل لوقت أي شيء، ولم يبينه ليذهب الوهم إلى كل جانب، فيكون التهويل فيه أشد، فيحتمل أن يكون المراد تكوين وقت جمعهم للفوز بالثواب، وأن يكون وقت سؤال الرسل عما أجيبوا به، وسؤال الأمم عما أجابوا هم لقوله تعالى :