قوله تعالى :﴿ إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً ﴾ « مِفْعَالاً » من الرصد، والرصد : كل شيء كان أمامك.
قرأ ابن يعمر وابن عمر والمنقري :« أنَّ جَهنَّمَ » بفتح « أن ».
قال الزمخشريُّ : على تعليل قيام الساعة، بأن جهنم كانت مرصاداً للطَّاغين، كأنَّه قيل : كان ذلك لإقامة الجزاء، يعني : أنه علَّة لقوله تعالى :﴿ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصور ﴾ إلى آخره.
قال القفال : في المرصاد قولان :
أحدهما : أنَّ المرصاد اسم للمكان الذي يرصد فيه، كالمضمارِ اسم للمكان الذي يضمر فيه الخيل، والمِنْهَاج : اسم للمكان الذي ينهج فيه، أي : جهنم معدَّة لهم فالمرصاد بمعنى المحل، وعلى هذا فيه احتمالان :
الأول : أنَّ خزنة جهنم يرصدون الكفَّار.
والثاني : أن مجاز المؤمنين، وممرهم على جهنم، لقوله تعالى :﴿ وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا ﴾ [ مريم : ٧١ ]، فخزنة الجنة يَسْتقبلُونَ المؤمنين عند جهنم، ويرصدونهم عندها.
القول الثاني : أنَّ « المِرصَاد » « مِفْعَال » من الرصد، وهو « الترقب » بمعنى أنَّ ذلك يكثر منه، و « المِفْعَالُ » من أبنية المبالغة ك « المِعطَاء، والمِعْمَار، والمِطْعَان ».
قيل : إنَّها ترصد أعداءَ اللهِ، وتشتد عليهم لقوله تعالى : تكاد تميَّزُ من الغيظ.
وقيل : ترصدُ كُلَّ منافقٍ وكافرٍ.
فصل
دلت الآية على أنَّ جهنم كانت مخلوقة لقوله تعالى أن جهنم كانت مرصاداً وإذا كانت كذلك كانت الجنة لعدم الفارق.
قوله :﴿ لِّلطَّاغِينَ ﴾ يجوز أن يكون صفة ل « مِرْصَاداً »، وأن يكون حالاً من « مآباً » كان صفته فلما تقدَّم نصبَ على الحال، وعلى هذين الوجهين يتعلق بمحذوف، ويجوز أن يكون متعلقاً بنفس « مِرْصَاداً »، أو بنفس « مآباً »؛ لإنه بمعنى مرجع.
قال ابن الخطيب : إن قيل بأن :« مِرصَاداً » للكافرين فقط، كان قوله :« للطَّاغين » من تمام ما قبله، والتقدير : كانت مرصاداً للطَّاغين، ثم قوله :« مآباً » بدل قوله :« مرصاداً »، وإن قيل : إنَّ مرصاداً مطلقاً للكفَّار والمؤمنين كان قوله تعالى :﴿ إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً ﴾ كلاماً تاماً وقوله تعالى :﴿ لِّلطَّاغِينَ مَآباً ﴾ كلاماً مبتدأ، كأنه قيل : إنَّ جهنَّم كانت مرصاداً للكل، و « مآباً » للطَّاغين خاصَّة، فمن ذهب إلى القول الأول لم يقف على قوله :« مرصاداً » ومن ذهب إلى القول الثاني وقف عليه.
قال القرطبيُّ :« للطَّاغِينَ مآباً » بدلٌ من قوله :« مِرصَاداً »، والمَآبُ « المرجع، أي : مرجعاً يرجعون إليه، يقال : آب يثوب أوْبَة : إذا رجع.
وقال قتادة : مأوى ومنزلاً، والمراد بالطاغين من طغى في دينه بالكفر ودنياه بالظلم.
قوله :﴿ لاَّبِثِينَ ﴾. منصوب على الحال من الضمير المستتر في » للطاغين «، وفي حال مقدرة.