قوله :﴿ قُلْ إِنْ أدري أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ ﴾، يعني : قيام الساعة لا يعلمه إلاَّ اللَّهُ فهو غيب لا أعلم منه إلا ما يعلمنيه الله تعالى جلت قدرتهُ.
قوله :﴿ أَقَرِيبٌ ﴾، خبرٌ مقدمٌ، و ﴿ مَّا تُوعَدُونَ ﴾ مبتدأ مؤخر، ويجوز أن يكون « قَرِيبٌ » مبتدأ لاعتماده على الاستفهام و « مَا تُوعَدُون » فاعل به، أي : أقريب الذي توعدون، نحو « أقَائِمٌ أبواك »، و « مَا » يجوز أن تكون موصولة فالعائد محذوف، وأن تكون مصدرية فلا عائد، و « أمْ » الظاهر أنها متصلة.
وقال الزمخشريُّ :« فإن قلت : ما معنى قوله :﴿ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ ربي أَمَداً ﴾، والأمد يكون قريباً وبعيداً، ألا ترى إلى قوله تعالى ﴿ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَاً بَعِيداً ﴾ [ آل عمران : ٣٠ ]، قلت : كان النبي ﷺ يستقرب الموعد، فكأنه قال : ما أدري أهو حالٌّ متوقع في كُلِّ ساعة، أم مؤجل ضربت له غاية؟ ».
وقرأ العامة : بإسكان الياء من « ربِّي ».
وقرأ الحرميان وأبو عمرو : بالفتح.
فصل في تعلق الآية بما قبلها
قال مقاتل : لما سمعوا قوله تعالى :﴿ حتى إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً ﴾. قال النضر بن الحارث : متى يكون هذا الذي توعدنا به؟.
فقال الله تعالى :﴿ قُلْ إِنْ أدري أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ ﴾ إلى آخره، والمعنى أنَّ وقوعه متيقن، وأما وقت وقوعه فغير معلوم.
وقوله تعالى :﴿ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ ربي أَمَداً ﴾، أي : غاية وبعداً، وهذا كقوله تعالى :﴿ إِنْ أدري أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ ﴾.
فإن قيل : أليس « أنه - ﷺ - قال :» بُعثْتُ أنَا والسَّاعَةُ كهَاتيْنِ «، فكان عالماً بقُربِ وقُوعِ القيامةِ، فكيف قال - هاهنا - : لا أردي أقريب أم بعيد؟.
فالجواب : أن المراد بقرب وقوعه، هو أن ما بقي من الدنيا أقل مما انقضى فهذا القدر من القرب معلوم، فأما معرفة القرب المرتب وعدم ذلك فغير معلوم.
قوله :﴿ عَالِمُ الغيب ﴾، العامة : على رفعه، إما بدلاً من » ربِّي « وإما بياناً له وإما خبراً لمبتدأ مضمر، أي هو عالم.
وقرىء : بالنصب على المدح.
وقرأ السديُّ : علم الغيب، فعلاً ماضياً ناصباً للغيب.
قوله :» فلا يُظهرُ «. العامة : على كونه من » أظْهَر «، و » أحَداً « مفعول به.
وقرأ الحسنُ :» يَظْهرُ « بفتح الياء والهاء من » ظهر « ثلاثياً، و » أحد « فاعل به.
فصل في تفسير الغيب
الغيب ما غاب عن العباد.
وقد تقدم الكلام عليه أول البقرة.
قوله :﴿ إِلاَّ مَنِ ارتضى مِن رَّسُولٍ ﴾. يجوز أن يكون استثناء منقطعاً، أي لكن من ارتضاه فإنه يظهره على ما يشاء من غيبه بالوحي و » مِنْ « في قوله :» مِنْ رسُولٍ « لبيان المرتضين وقوله :﴿ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ ﴾ بيان لذلك.