وقال الكلبي : حاسبهم فأعطاهم بالحسنة عشر أمثالها، وقد وعد قوماً جزاء لا نهاية له، ولا مقدار، كما قال تعالى :﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصابرون أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [ الزمر : ١٠ ] وقرأ أبو البرهسم، وشريحُ بنُ يزيد الحمصي : بتشديد السين مع بقاء الحاء على كسرها.
وتخريجها : أنَّه مصدر : مثل :« كذّاب » أقيم مقام الوصف، أي : عطاء محسباً، أي : كافياً.
وابن قطيب : كذلك، إلاَّ أنَّه فتح الحاءَ.
قال أبو الفتح : بناء « فعَّال » من « أفْعَل » ك « دَرَّاك » من « أدْرك » بمعنى أنه صفة مبالغة من « حَسَب » بمعنى : كافي كذا.
وابن عباس :« حَسَناً » بالنون من الحسن.
وسريج :« حَسْباً » بفتح الحاء وسكون السين والباء الموحدة، أي : عطاء كافياً، من قولك : حَسْبُك كذا، أي :« كافيك ».
قوله تعالى :﴿ رَّبِّ السماوات ﴾.
قرأ نافعٌ، وابن كثير، وأبو عمرو : برفع « رب » و « الرحمن ».
وابن عامر، وعاصم : بخفضهما.
والأخوان : يخفض الأول، ورفع الثاني.
فأما رفعهما، فيجوز من أوجه :
أحدها : أن يكون « ربُّ » خبر مبتدأ محذوف مضمر، أي :« هو رب »، و « الرحمن » كذلك، أو مبتدأ، خبره « لا يَمْلِكُون ».
الثاني : أن يجعل « ربُّ » مبتدأ، و « الرحمن » خبره، و « لا يملكون » خبر ثان، أو مستأنف.
الثالث : أن يكون « ربُّ » مبتدأ، و « الرحمن » مبتدأ ثان، و « لا يملكون » خبره، والجملة خبر الأول، وحصل الرَّبطُ بتكرير المبتدأ بمعناه وهو رأي الأخفشِ، ويجوز أن يكون « لا يَمْلِكُون » حالاً وتكون لازمة.
وأما جرهما : فعلى البدل، أو البيان، أوالنعت، كلاهما للأول، إلاَّ أنَّ تكرير البدل فيه نظر وتقدم التنبيه عليه في آخر الفاتحة.
وتجعل ﴿ رَّبِّ السماوات ﴾ تابعاً للأول، و « الرَّحْمن » تابعاً للثاني على ما تقدم.
وأمَّا الأول، فعلى التبعية للأول.
وأما رفع الثاني، فعلى الابتداء، والخبر : الجملة الفعلية، أو على أنَّه خبر مبتدأ مضمر، و « لا يَمْلِكُونَ » على ما تقدم من الاستئناف، أو الخبر الثاني، أو الحال اللازمة.
قوله :﴿ لاَ يَمْلِكُونَ ﴾.
نقل عطاء عن ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - أن الضمير في « لا يملكون » راجع إلى المشركينَ، أي : لا يخاطبهم الله.
وأما المؤمنون فيشفعون، ويقبل الله - تعالى - منهم بعد إذنه لهم.
وقال القاضي : إنَّه راجع للمؤمنين، والمعنى : أنَّ المؤمنين لا يملكون أن يخاطبُوا الله - تعالى - في أمرٍ من الأمورِ.
فصل في أنَّ الله عدل في عقابه
لما ثبت أنه - تعالى - عدل لا يجور، وثبت أن العقاب الذي أوصله إلى الكفَّار عدل، وثبت أنَّ الثَّواب الذي أوصله إلى المؤمنين عدل، وأنَّه ما بخسهم حقَّهم، فبأيِّ سبب يُخاطبونه.
وقيل : الضمير يعود لأهل السماواتِ والأرضِ، وإنَّ أحداً من المخْلُوقِيْنَ لا يملك مخاطبة الله - تعالى - ومكالمته.
قال ابن الخطيب : وهذا هو الصواب.