قوله تعالى :﴿ فَأَرَاهُ الآية الكبرى ﴾ « الفاء » في « فأراه » : معطوف على محذوف، يعني فذهب فأراه، كقوله تعالى :﴿ اضرب بِّعَصَاكَ الحجر فانفجرت ﴾ [ البقرة : ٦٠ ] أي : فضرب فانفجرت.
واختلفوا في الآية الكبرى، أي : العلامة العظمى، وهي المعجزة.
فقيل : هي العصا.
وقيل : اليدُ البيضاءُ تبْرقُ كالشَّمْسِ، قاله مقاتل والكلبي.
والأول : قول عطاء وابن عباس؛ لأنَّه ليس في اليد إلا انقلاب لونها، وهذا كان حاصلاً في العصا؛ لأنَّها لمَّا انقلبت حيّة، فلا بد وأن يتغيَّر اللون الأول، فإذن كل ما في اليد، فهو حاصل في العصا، وأمور أخر، وهي الحياة في الجرم الجمادي، وتزايد الأجر إليه، وحصول القدرةِ الكبيرة والقُوَّة الشديدة، وابتلاعها أشياء كثيرة، وزوال الحياة، والقدرة عليها، وبقاء تلك الأجزاء التي عظمت، وزوال ذلك اللون والشكل اللذين صارت العصا بهما حيَّة، وكلُّ واحدٍ من هذه الوجوه كان معجزاً مستقلاً في نفسه، فعلمنا أن الآية الكبرى هي العصا.
وقال مجاهد : هي مجموع العصا واليد.
وقيل : فلق البحر، وقيل : جميع آياته ومعجزاته.
﴿ فَكَذَّبَ ﴾ أي : كذَّب بِنَبِيِّ الله موسى و « عصى » ربَّه تبارك وتعالى.
فإن قيل : كل من كذَّب الله فقد عصى، فما فائدة قوله :« فكذب وعصى »؟.
فالجواب : كذَّب بالقول، وعصى بالتمرد والتجبر.
﴿ ثُمَّ أَدْبَرَ يسعى ﴾ أي : يعملُ بالفساد في الأرض.
وقيل : يعمل في نكاية موسى.
وقيل :« أدْبَرَ يَسْعَى » هارباً من الحيَّة.
قال ابن الخطيب : معنى « أدْبَرَ يَسْعَى » أي : أقبل يسعى، كما يقالُ : أقبل يفعل كذا، يعني : إن شاء يفعل، فموضع « أدبر » موضع « أقبل » لئلاَّ يوصف بالإقبَالِ.
قوله :﴿ فَحَشَرَ فنادى ﴾ لم يذكر مفعولاهما، إذ المراد : فعل ذلك، أو يكون التقدير : فحشر قومه فناداهم.
وقوله :« فَقَالَ » تفسير للنِّداء.
وقيل : في الكلام تقديم وتأخير، أي : فنادى فحشر؛ لأنَّ النداء قبل الحشر، ومعنى « حشر »، أي : جمع السَّحرة، وجمع أصحابه ليَمْنَعُوهُ من الحيَّة.
وقيل : جمع جنوده للقتال، والمحاسبة، و « السَّحَرةُ » : المعارضة.
وقيل : حَشَرَ النَّاس للُضُور « فنادى » أي : قال لهم بصوتٍ عالٍ.
﴿ أَنَاْ رَبُّكُمُ الأعلى ﴾ أي : لا ربَّ فوقِي.
وقيل : أمر منادياً ينادي فنادى في النَّاس بذلك.
وقيل : قام فيهم خطيباً فقال ذلك.
وعن ابن عباس، ومجاهدٍ، والسديِّ، وسعيد بن جبير، ومقاتلٍ : كلمته الأولى ﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرِي ﴾ [ القصص : ٣٨ ] والأخرى :﴿ أنَا ربُّكمُ الأعْلَى ﴾.
قال ابنُ عباس : كان بين الكلمتين أربعون سنة، والمعنى : أمهله في الأولى، ثم أخذه في الآخرة فعذبه بكلمتيه.
قال ابن الخطيب : واعلم أنَّا بينَّا في سورة « طه » أنه لا يجوز أن يعتقد الإنسانُ في نفسه كونه خالقاً للسماوات والأرض والجبال والنبات والحيوان، فإنَّ العلمَ بفسادِ ذلك ضروريٌّ، فمن تشكك فيه كان مجنوناً، ولو كان مجنوناً لما جاز من الله بعثة الرسل إليه، بل الرَّجل كان دهرياً منكراً للصَّانع والحشر والنشر، وكان يقول : ليس لأحدٍ أمرٌ ولا نهيٌ إلاَّ لي « فأنَا ربُّكم »، بمعنى مربيكم والمُحسنُ إليكم، وليس للعالم إله حتى يكون له عليكم أمرٌ، أو نهيٌ، أو يبعث إليكم رسولاً.