٥١٠٤ - فَقُلت لَهَا :
عَنِّي إليْك فإنَّنِي | حَرامٌ وإنِّي بَعْدَ ذَاكَ لَبِيبُ |
وقيل :« بعد » بمعنى :« قبل » كقوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزبور مِن بَعْدِ الذكر ﴾ [ الأنبياء : ١٠٥ ] أي : من قبلِ الفرقان؛ قال أبو كثير :[ الطويل ]
٥١٠٥- حَمدْتُ إلَهِي بَعْدَ عُرْوةَ إذْ نَجَا | خِراشٌ وبَعْضُ الشَّرِّ أهونُ مِنَ بعضِ |
وقيل :« دَحاهَا » حرثها وشقَّها، قاله ابن زيد.
وقيل :« دَحاهَا » مهَّدها للأقوات، والمعنى متقارب.
قوله :﴿ أَخْرَجَ ﴾. فيه وجهان :
أحدهما : أن يكون تفسيراً.
والثاني : أن يكون حالاً.
قال الزمخشري : فإن قلت هلاَّ أدخل حرف العطف على « أخرج »؟ قلت : فيه وجهان :
أحدهما : أن يكون « دَحَاهَا » بمعنى : بسطها، ومهَّدها للسُّكْنَى، ثم فسَّر التَّمهيد بما لا بد منه في تأتي سكناها من تسوية أمر المأكلِ والمشربِ وإمكان القرار عليها.
والثاني : أن يكون « أخْرَج » حالاً، بإضمار « قد »، كقوله تعالى :﴿ أَوْ جَآءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ ﴾ [ النساء : ٩٠ ].
واعلم أنَّ إضمار « قد » هو قول الجمهور، وخالف الكوفيون والأخفش.
قوله :﴿ مِنْهَا مَآءَهَا ﴾، أي : من الأرض عيونها المتفجِّرة بالماء.
و « مَرْعَاهَا » أي : النبات الذي يرعى، والمراد بمرعاها، ما يأكل النَّاسُ والأنعامُ، ونظيره قوله تعالى :﴿ أَنَّا صَبَبْنَا المآء صَبّاً ثُمَّ شَقَقْنَا الأرض شَقّاً ﴾ [ عبس : ٢٥، ٢٦ ]، إلى قوله تعالى :﴿ مَّتَاعاً لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ ﴾ [ عبس : ٣٢ ]، واستعير الرَّعي للإنسان، كما استعير الرَّتعُ في قوله :﴿ يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ ﴾ [ يوسف : ١٢ ] وقد قُرئ « نرتع » ويرتع من الرَّعي، والرعي في الأصل مكان أو زمان، أو مصدر، وهو هنا مصدر بمعنى :« المفعول »، وهو في حق الآدميين استعارة.
قال ابن قتيبة : قال تعالى :﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ المآء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ﴾ [ الأنبياء : ٣٠ ]، فانظر كيف دلَّ بقوله :« مَاءهَا ومَرْعاهَا » على جميع ما أخرجه من الأرض قوتاً، ومنها متاعاً للأنام من العشب، والشجر، والثمر، والحب والقضب، واللباس، والدواء، حتى النار والملح.
أمَّا النار؛ فلأنها من العيدانِ، قال جلا وعلا :﴿ أَفَرَأَيْتُمُ النار التي تُورُونَ أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَآ أَمْ نَحْنُ المنشئون ﴾ [ الواقعة : ٧١، ٧٢ ].
وأمَّا الملحُ؛ فلأنَّه من الماءِ.
قوله تعالى :﴿ والجبال أَرْسَاهَا ﴾.
قراءة العامة : بنصب « الجبال ».
وأرْسَى : ثبَّت فيها الجبال.
وقرأ الحسنُ، وعمرو بنُ عبيدٍ، وعمرو بنُ ميمونٍ، ونصرُ بنُ عاصمٍ : بالرَّفعِ على الابتداءِ.
قوله تعالى :﴿ مَتَاعاً لَّكُمْ ﴾.
العامَّة : على النصب مفعولاً له، أو مصدراً لعاملٍ مقدرٍ، اي : متَّعكُمْ، أو مصدراً من غير اللفظ؛ لأن المعنى : أخرج منها ماءها ومرعاها أمتع بذلك.
وقيل : نُصِبَ بإسقاط حرف الصفة، تقديره : لتتمتعوا به متاعاً، والمعنى منفعة لكم ولأنعامكم.