قال : إنك إن سرت في هذه الساعة أصابك، وأصاب أصحابك بلاءٌ، وضر شديد، وإن سرت في الساعة التي أمرتك بها ظفرت، وظهرت وأصبت ما طلبت، فقال علي - رضي الله عنه - : ما كان لمحمد ﷺ ولا لأصحابه منجم، ولا لنا من بعده. ثم قال : فمن صدقك في هذا القول لن آمن عليه أن يكون كمن اتخذ من دون الله نداً، وضداً، اللَّهُمَّ لا طير إلا طيرك ولا خير إلا خيرك ثم قال للمتكلم : نكذبك، ونخالفك، ونسير في الساعة التي تنهاها عنها، ثم أقبل على الناس فقال : أيها الناس، إياكم وتعلم النجوم إلا ما تهتدوا به في ظلمات البر والبحر، إنما المنجم كافر، والكافر في النار، والمنجم كالساحر، والساحر في النار، والله لئن بلغني أنك تنظر في النجوم، أو تعمل بها لأخلدنك في الحبس ما بقيتُ، ولأحرمنَّك العطاء، ما كان لي سلطان، ثم سافر في الساعة التي نهاه عنها فلقي القوم فقتلهم، وهو وقعة « النَّهروان » الثابتة في « صحيح مسلم »، ثم قال : لو سرنا في الساعة التي أمرنا بها، وظفرنا، وظهرنا لقال : إنَّما كان ذلك تنجيمي وما كان لمحمد ﷺ منجم، ولا لنا من بعده، وقد فتح الله علينا بلاد كسرى وقيصر وسائر البلدان، ثم قال : يا أيها الناسُ، توكلوا على الله وثقوا به، فإنه يكفي ممن سواه.
قوله :﴿ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً ﴾، يعني : ملائكة يحفظونه من أن يقرب منه شيطان، فيحفظ الوحي من استراق الشياطين والإلقاء إلى الكهنة.
قال الضحاك : ما بعث الله نبياً إلى ومعه ملائكة يحرسونه من الشياطين، أن يتشبهوا له بصورة الملك فإذا جاءه شيطان في صورة الملك، قالوا : هذا شيطان فاحذره، وإن جاء الملك قالوا : هذا رسول ربِّك.
وقال ابن عباس وابن زيد :« رَصَداً »، أي : حفظةُ يحفظون النبي ﷺ من أمامه، وورائه من الجن، والشياطين.
وقال قتادة وسعيد بن المسيِّب : هم أربعة من الملائكة حفظة يحفظون الوحي بما جاء من عند الله.
وقال الفرَّاءُ : فالمراد جبريل كان إذا نزل بالرسالة نزل معه ملائكة يحفظونه من أن يستمع الجن الوحي، فيلقونه إلى كهنتهم، فيسبقوا به الرسول.
وقال السديُّ :« رَصَداً » أي : حفظة يحفظون الوحي، مما جاء من عند الله، وما ألقاه الشيطان قالوا : إنه من الشيطان، و « رَصَداً » نصب على المفعول.
قال الجوهريُّ :« والرَّصدُ : القوم يرصدون كالحرس، يستوي فيه الواحد والجمع والمذكور والمؤنث وربما قالوا : أرصاد، والرّاصد للشيء : الراقب له، يقال : رصده يرصده رصْداً ورصَداً، والتَّرصُّد : الترقب، والمرصد : موضع الرصد ».