قوله :﴿ أَمَّا مَنِ استغنى ﴾ قال عطاء : يريد عن الإيمان، وقال الكلبي : استغنى عن الله، وقال بعضهم : استغنى أثرى؛ وهو فاسد ههنا؛ لأن إقبال النبي - ﷺ - لم يكن لثروتهم ومالهم حتى يقال له أما من أثرى، فأنت تقبل عليه، ولأنه قال :﴿ وَأَمَّا مَن جَآءَكَ يسعى وَهُوَ يخشى ﴾ ولم يقل وهو فقير معدم، ومن قال : أما من استغنى بماله فهو صحيح، لأن المعنى أنه استغنى عن الإيمان والقرآن بما لَهُ من المال.
وقوله تعالى :﴿ فَأَنتَ لَهُ تصدى ﴾ تقدمت فيه قراءتا التثقيل والتخفيف.
قال الزجاج : أي : أنت تقبل عليه وتتعرض له وتميل إليه، يقال تصدى فلان لفلان، يتصدّد إذا تعرض له، والأصل فيه تصدد يتصدّد من الصدد، وهو ما استقبلك وصار قبالتك فأبدل أحد الأمثال حرف علة مثل : تظنيت وقصيت، وتقضى البازي قال الشاعر :
٥١٠٧ب- تَصدَّى لِوضَّاح كأنَّ جَبينَه | سِرَاجُ الدُّجَى يُجْبَى إليه الأساور |
وقيل : من الصدى وهو العطش، والمعنى على التعرض، ويتمحّل لذلك إذا قلنا أصله من الصوت أو العطش.
وقرأ أبو جعفر « تُصْدي » بضم التاء وتخفيف الصاد. أي يصديك حرصك على إسلامه.
يقال : صدى الرجل وصديته، وقال الزمخشري : وقرئ « تُصدي » بضم التاء أي تعرض، ومعناه يدعوك إلى داع إلى التصدي له؛ من الحرص والتهالك على إسلامه.
قوله :﴿ أَلاَّ يزكى ﴾ مبتدأ خبره « عليك » أي ليس عليك عدم تزكيته.
والمعنى لا شيء عليك في أن لا يسلم من تدعوه إلى الإسلام، فإنه ليس عليك إلا البلاغ، أي لا يبلغن بك الحرص على إسلامهم إلى أن تعرض عمن أسلم للاشتغال بدعوتهم.
قوله :﴿ يسعى ﴾ حال من فاعل « جاءك » والمعنى أن يسرع في طلب الخير، كقوله :﴿ فاسعوا إلى ذِكْرِ الله ﴾ [ الجمعة : ٩ ].
وقوله :﴿ وَهُوَ يخشى ﴾ جملة حالية من فاعل « يسعى » فهو حال من حال وجعلها حالاً ثانية معطوفة على الأولى ليس بالقوي وفيها ثلاثة أوجه يخشى الله ويخافه في ألاَّ يهتم بأداء تكاليفه، أو يخشى الكفار وأذاهم في إتيانك، أو يخشى الكبوة فإنه كان أعمى، وما كان له قائد.
قوله ﴿ تلهى ﴾ أصله تتلهى من لهي يلهى بكذا أي اشتغل وليس هو من اللهو في شيء.
وقال أبو حيان : ويمكن أن يكون منه لأن ما يبنى على فعل من ذوات الواو تنقلب واوه لانكسار ما قبلها. نحو شقي يشقى. فإن كان مصدره جاء بالياء فيكون من مادة غير مادة اللهو.
قال شهاب الدين : الناس إنما لم يجعلوه من اللهو لأجل أنه مسند إلى ضمير النبي ﷺ ولا يليق بمنصبه الكريم أن ينسب إليه التفعل من اللهو.