قوله :﴿ نُشِرَتْ ﴾، أي : فتحت بعد أن كانت مطويَّة، والمراد : صحف الأعمال التي كتبت الملائكة فيها أعمال العباد من خير أو شر، تطوى بالموت، وتنشر في يوم القيامة، فيقف كل إنسان على صحيفته، فيعلم ما فيها، فيقول :﴿ مَالِ هذا الكتاب لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا ﴾ [ الكهف : ٤٩ ].
قوله تعالى :﴿ وَإِذَا السمآء كُشِطَتْ ﴾، أي قُشرت، من قولهم : كشط جلد الشَّاة، أي : سلخها. وقرأ الله « قشطت » - بالقاف - وقد تقدم أنهما متعاقبان كثيراً، وأنه قرئ : وقافوراً [ وكافوراً ] في ﴿ هَلْ أتى عَلَى الإنسان ﴾ [ الإنسان : ١ ]. [ يقال : لبكت الثريد ولبقته ].
قال القرطبي :« يقال : كشَطْتُ البعير كشْطاً، نزعت جلده، ولا يقال : سلخته، لأن العرب لا تقول في البعير إلا كشطته أو جلدته »، والمعنى : أزيلت عما فوقها.
قال الفراء : طويت.
قوله تعالى :﴿ وَإِذَا الجحيم سُعِّرَتْ ﴾، أي : أوقدت، فأضرمت للكفَّار، وزيد في إحمائها يقال : سعرتُ النَّار وأسْعرتُهَا.
قال رسول الله ﷺ :« أوقِدَ على النَّارِ ألْفَ سنةٍ حَتَّى اسْودَّتْ فهيَ مُظْلمةٌ ».
احتج بهذه الآية من قال : إن النار مخلوقة الآن؛ لأنه يدل على أنَّ سعيرها معلَّق بيوم القيامة.
قوله تعالى :﴿ وَإِذَا الجنة أُزْلِفَتْ ﴾، أي : أدنيت وقرِّبتْ من المتَّقِينَ.
قال الحسنُ - رضي الله عنه - [ إنهم يقربون منها لا أنها تزول عن موضعها.
وقال عبد الله بن زيد ] : زُيِّنت، والزُّلْفَى في كلام العرب : القُربَة.
قوله تعالى :﴿ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّآ أَحْضَرَتْ ﴾، هذا جواب « إذا » أوَّل السُّورة وما عطف عليها، والمعنى : ما عملتْ من خيرٍ وشرٍّ. وروي عن ابن عباس وعمر - رضي الله عنهما - أنهما قرآها، فلما بلغا « علمت نفس ما أحضرت » قالا : لهذا أجريتِ القصَّةُ.
قال ابن الخطيب : ومعلوم أنَّ العمل لا يمكن إحضاره، فالمراد : إذا ما أحضرته في صحائفها، أو ما أحضرته عند المحاسبة، وعند الميزان من آثار تلك الأعمال، أو المراد : ما أحضرت من استحقاق الجنَّة والنَّار، فإنَّ كلَّ نفس تعلم ما أحضرت، لقوله تعالى :﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً ﴾ [ آل عمران : ٣٠ ].
والتنكير في قوله :« نَفْسٌ » من عكس كلامهم الذي يقصدون به المبالغة، وإن كان اللفظ موضوعاً للتقليل، لقوله تعالى :﴿ رُّبَمَا يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ ﴾ [ الحجر : ٢ ]، أو يكون المراد : أنَّ الكفار كانوا يتعبُون أنفسهم بما يظنونه طاعة، ثم يظهر لهم في القيامة خلاف ذلك.


الصفحة التالية
Icon