وقيل : يعود إلى الذي أخبركم به محمد ﷺ من أنّ أمر الساعة في هذه السورة ليس بكهانة، ولا ظنَّ، ولا افتعال، إنما هو قول جبريل أتاه به وحياً من الله تعالى.

فصل فيمن استدل بالآية على تفضيل جبريل على سيدنا محمد


قال ابنُ الخطيب : احتج بهذه الآية من فضل جبريل - ﷺ - على محمد ﷺ فقال : إذا وازنت بين قوله سبحانه :﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي العرش مَكِينٍ مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ ﴾، وبين قوله تعالى :﴿ وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ ﴾ ظهر التفاوت العظيم.
قوله :« عند ذي » : يجوز أن يكون نعتاً ل « رسولٍ »، وأن يكون حالاً من « مكينٍ »، وأصله الوصف، فلما قدم نصب حالاً.
قوله :﴿ ثَمَّ أَمِينٍ ﴾. العامة : على فتح الثَّاء؛ لأنه ظرف مكان للبعد، والعامل فيه « مطاعٍ ».
وأبو البرهسم، وأبو جعفر وأبو حيوة : بضمها، جعلوها عاطفة، والتراخي هنا في الرتبة؛ لأن الثانية أعظم من الأولى.
قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ رَآهُ بالأفق المبين ﴾، أي : لقد رأى جبريل في صورته في ستمائة جناح ﴿ بالأفق المبين ﴾ أي : حيث تطلع الشمس من قبل المشرق.
وقيل :« بالأفق المبين »؛ أقطار السماء ونواحيها.
قال الماورديُّ : فعلى هذا ففيه ثلاثة أقوال :
الأول : أنه رآه في الأفق الشرقيِّ. قاله سفيان.
الثاني : في أفق السماء الغربي، حكاه ابن شجرة.
الثالث : أنه رآه نحو « أجياد »، وهو مشرق « مكة »، قاله مجاهد.
وقيل : إنَّ محمداً ﷺ رأى ربه - تعالى - بالأفق المبينِ، وهو قول ابن مسعود وقد تقدم ذلك في سورة « والنجم ».
وفي « المُبينِ » قولان :
أحدهما : أنه صفة للأفق، قاله الربيع.
الثاني : أنَّه صفة لمن رآه، قاله مجاهد.
قوله تعالى :﴿ وَمَا هُوَ عَلَى الغيب بِضَنِينٍ ﴾.
قرأ ابن كثير، وأبو عمر، والكسائي : بالظاء، بمعنى متهم من ظن بمعنى : اتهم، فيتعدى لواحدٍ.
وقيل : معناه بضعيف القوة عن التبليغ من قولهم :« بئر ظنُون » أي : قليلة الماء، والظِّنَّة التهمة، واختاره أبو عبيدة وفي مصحف عبد الله كذلك.
والباقون : بالضاد، بمعنى : بخيل بما يأتيه من قبل ربِّه، من ضننت بالشيء أضنُّ ضنًّا، يعني : لا يكتمه كما يكتم الكاهن ذلك، ويمتنع من إعلامه حتى يأخذ عليه حلواناً، إلا أنَّ الطبري قال : بالضاد خطوط المصاحف كلها.
وليس كذلك لما كان رسول الله ﷺ يقرأ بها، وهذا دليل على التمييز بين الحرفين خلافاً لمن يقول : إنه لو وقع أحدهما موقع الآخر بحال لجاز لعسر معرفته، وقد شنَّع الزمخشريُّ على من يقول ذلك، وذكر بعض المخارج، وبعض الصفات بما يطول ذكره.


الصفحة التالية
Icon