وثانيها : قال أبو مسلم :« لمحجوبون » غير مقربِّين، والحجاب : الرَّدُ، وهو ضد القبول، فالمعنى : أنهم غير مقبولين عند الرؤية، فإنه يقال : حُجِبَ عن الأمير، وإن كان قد رآه عن بعدٍ، بل يجب أن يحمل على المنع من رحمته.
وثالثها : قال الزمخشريُّ : كونهم محجوبين عنه تمثيل للاستخفاف بهم وإهانتهم؛ لأنه لا يرد على الملوك إلا المكرَّمين لديهم، ولا يُحجب عنهم إلا المبانون عنهم.
والجواب : أن الحجب في استعمالاته مشترك في المنع، فيكون حقيقة فيه، ومنع العبد بالنسبة إلى الله تعالى، إمَّا عن العلم، وإمَّا عن الرؤية، والأول : باطل؛ لأن الكفَّار يعلمون الله تعالى، فوجب حمله على الرؤية.
وأمَّا الوجوه المذكورة فهو عدول عن الظاهر من غير دليل، ويؤيد ما قلنا : أقوال السَّلف من المفسرين :
قال مقاتلٌ : بل لا يرون ربَّهم بعد الحساب، والمؤمنون يرون ربهم.
وقال الكلبيُّ : محجوبون عن رؤية ربهم والمؤمن لا يحجبُ، وسُئلَ مالكُ بنُ أنسٍ - رضي الله عنه - عن هذه الآية، فقال : كما حجب الله تعالى أعداءه فلم يروهُ، ولا بد أن يتجلَّى لأوليائه حتى يروه.
وعن الشَّافعيُّ - رحمه الله - كما حجب قومٌ بالسُّخطِ دلَّ على أنهم يرونهُ بالرضا.
قوله تعالى :﴿ ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الجحيم ﴾. أي : إنّ الكفَّار مع كونهم محجوبين من الله يدخلون النار.
﴿ ثُمَّ يُقَالُ ﴾ أي : تقول لهم الخزنةُ :« هذا » أي : هذا العذاب ﴿ هذا الذي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ﴾، وقوله : يقال يجوز أن يكون القائم مقام الفاعل ما دلَّت عليه جملة قوله :« هَذا الَّذي كُنتُمْ »، ويجوز أن تكون الجملة نفسها، ويجوز أن تكون المصدرية. [ وقد تقدم تحريره في أول « البقرة » ].