واختلف هل كان فرضاً على النبي ﷺ وحده، أو عليه وعلى من كان قبله من الأنبياء، أو عليه وعلى أمته، ثلاثة أقوالٍ :
الأول : قول سعيد بن جبيرٍ لتوجه الخطاب إليه.
الثاني : قول ابن عباسٍ، قال : كان قيامُ الليل فريضة على النبي ﷺ والأنبياء قبله.
الثالث : قول عائشة وابن عباس أيضاً وهو الصحيح أنه كان فرضاً عليه وعلى أمته، لما روى « مسلم » :« أن سعد بن هشام بن عامر قال لعائشة رضي الله عنها : أنبئيني عن قيام رسول الله ﷺ فقالت : ألست تقرأ :﴿ ياأيها المزمل ﴾ قلت : بلى، قالت : فإن الله - تعالى - افترض قيام الليل في أول هذه السورة، فقام النبي ﷺ وأصحابه حولاً، وأمسك الله - تعالى - خاتمتها اثني عشر شهراً في السماء، حتى أنزل الله - تعالى - في آخر السورة التخفيف، فصار قيام الليل تطوعاً بعد أن كان فريضة ».
وروى وكيع، ويعلى ابن عباس قال : لما نزلت :﴿ ياأيها المزمل ﴾ كانوا يقومون نحواً من قيامهم في شهر رمضان حتى نزل آخرها، وكان بين نزول أولها وآخرها نحو من سنة.
وقال سعيد بن جبير : مكث النبي ﷺ وأصحابه عشر سنين يقومون الليل، فنزلت بعد عشر سنين ﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أدنى مِن ثُلُثَيِ الليل وَنِصْفَهُ ﴾ [ المزمل : ٢٠ ] فخفف الله عنهم.
وقيل : كان قيام الليل واجباً، ثم نسخ بالصلوات الخمس.
وقيل : عسر عليهم تمييز القدر الواجب فقاموا الليل كلَّه فشق ذلك عليهم فنسخ بقوله في آخرها ﴿ فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القرآن ﴾ [ المزمل : ٢٠ ] وكان بين الوجوب ونسخه سنة.
وقيل : نسخ التقدير بمكة وبقي التهجد، حتى نسخ بالمدينة.
وقيل : لم يجب التهجد قط لقوله ﴿ وَمِنَ الليل فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ ﴾ [ الإسراء : ٧٩ ]، ولأنه لو وجب عليه ﷺ لوجب على أمته لقوله تعالى ﴿ واتبعوه ﴾ [ الأعراف : ١٥٨ ]، والنسخ على خلاف الأصل، ولأنه فرض تعيين المقدار أي المكلف وذلك ينافي الوجوب.
قوله :﴿ إِلاَّ قَلِيلاً نِّصْفَهُ أَوِ انقص مِنْهُ قَلِيلاً ﴾. للناس في هذا كلام كثير، واستدلال على جواز استثناء الأكثر، والنصف، واعتراضات وأجوبة.
قال شهاب الدين : وها أنا أكذر ذلك محرراً له بعون الله تعالى : اعلم أن في هذه الآية ثمانية أوجه :
أحدها : أن « نِصْفهُ » بدل من « اللَّيْلِ » بدل بعض من كل، و « إلاَّ قَليْلاً » استثناء من النصف، كأنه قيل :[ قُم أقل من نصف الليل، والضمير في « مِنْهُ » و « عليه » عائد على النصف، والمعنى : التخيير بين أمرين : بين أن يقوم أقل من نصف الليل على البت ]، وبين أن يختار أحد الأمرين وهما النقصان من النصف، والزيادة عليه، قاله الزمخشريُّ.