[ الأنعام : ١٩ ].
وعن ابن عباس - رضي الله عنه - : الشاهد : محمد ﷺ لقوله تعالى :﴿ إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً ﴾ [ الأحزاب : ٤٥ ]، وقوله تعالى :﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ على هؤلاء شَهِيداً ﴾ [ النساء : ٤١ ] وقوله تعالى :﴿ وَيَكُونَ الرسول عَلَيْكُمْ شَهِيداً ﴾ [ البقرة : ١٤٣ ].
وقيل : الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - يشهدون على أممهم؛ لقوله تعالى :﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ ﴾ [ النساء : ٤١ ].
وقيل : آدم ﷺ.
وقيل : عيسى ابن مريم - ﷺ - لقوله تعالى :﴿ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ﴾ [ المائدة : ١١٧ ] والمشهود أمته.
وعن ابن عباس ومحمد بن كعب : الشاهد : الإنسان، لقوله تعالى :﴿ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ [ النور : ٢٤ ].
وقال الحسين بن الفضل : الشاهد هذه الأمة، لقوله تعالى :﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى الناس ﴾ [ البقرة : ١٤٣ ]، والمشهود بنو آدم.
قوله تعالى :﴿ قُتِلَ ﴾. هذا جواب القسم على المختار، وإنما حذفت اللام، والأصل :« لقتل »؛ كقوله :[ الطويل ]

٥١٥٣- حَلفْتُ لَهَا باللهِ حَلفَة فَاجرٍ لنَامُوا فمَا إنْ مِنْ حَديثٍ ولا صَالِي
وإنما حسُن حذفها للطول كما سيأتي - إن شاء الله تعالى - في قوله :﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا ﴾ [ الشمس : ٩ ].
وقيل : تقديره، لقد قتل، فحذف « اللام وقد »، وعلى هذا فقوله « قُتِلَ » خبر، لا دعاء.
وقيل : هي دعاءٌ، فلا يكون جواباً.
وفي الجواب حينئذ أوجه :
أحدها : أنه قوله تعالى :﴿ إِنَّ الذين فَتَنُواْ ﴾ [ البروج : ١٠ ].
الثاني : قوله :﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ﴾ [ البروج : ١٢ ] قاله المبرد.
الثالث : أنه مقدر، فقال الزمخشري ولم يذكر غيره : هو محذوف يدل عليه قوله :﴿ قُتِلَ أَصْحَابُ الأخدود ﴾ كأنَّه قيل : أقسم بهذه الأشياء أن كفار قريش ملعونون، كما لعن أصحاب الأخدود ثم قال :« قُتِلَ » دعاءٌ عليهم كقوله تعالى :﴿ قُتِلَ الإنسان مَآ أَكْفَرَهُ ﴾ [ عبس : ١٧ ].
وقيل : التقدير : لتبعثن.
وقيل : فيه تقديم وتأخير، قتل أصحاب الأخدود والسَّماء ذات البروج، قاله أبو حاتم.
قال ابن الأنباري : وهذا غلط؛ لأنه لا يجوز لقائل أن يقول : والله قام زيد، على معنى : قام زيد والله.
وقرأ الحسن وابن مقسم :« قُتِّل » بتشديد التاء مبالغة أو تكثيراً.
قوله :﴿ أَصْحَابُ الأخدود ﴾، أي : لعن أصحاب الأخدود.
قال ابن عباس : كل شيء في القرآن « قُتِلَ » فهو : لُعِنَ، والأخدود الشقُّ العظيم المستطيل الغائص في الأرض.
قال الزمخشريُّ : والأخدود : الخدُّ في الأرض وهو : الشق، ونحوهما بناء ومعنى : الخق والأخقوق، ومنه :« فَسَاخَتْ قوائمه في أخاقيق جرذان » انتهى.
فالخَدُّ : في الأصل مصدر، وقد يقع على المفعول، وهو الشق نفسه، وأمَّا الأخدود فاسم له فقط.
وقال الراغب : الخد والأخدود : شق في الأرض مستطيل غائص، وأصل ذلك من خَدَّي الإنسان، وهما ما اكتنفا الأنف عن اليمين والشمال، فالخَدُّ : يستعار للأرض ونحوها كاستعارة الوجه، وتخدد اللحم بزواله عن وجه الجسم، ثم يعبر بالمخدود عن المهزول والخداد : وسم في الخد.


الصفحة التالية
Icon