قوله :﴿ هَلُ أَتَاكَ حَدِيثُ الجنود ﴾، أي : قد أتاك يا محمد خبر الجموع الكافرة المكذبة لأنبيائهم [ تَسْلِيَةً له بذلك ].
قوله تعالى :﴿ فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ ﴾. يجوز أن يكون بدلاً من الجنود، وحينئذ فكان ينبغي أن يأتي البدل مطابقاً للمبدل منه في الجمعية.
فقيل : هو على حذف مضاف، أي : جنود فرعون.
وقيل : المراد فرعون وقومه، واستغني بذكره عن ذكرهم؛ لأنهم أتباعه.
ويجوز أن يكون منصوباً بإضمار : أعني؛ لأنه لما لم يطابق ما قبله وجب قطعه.
والمعنى : أنك قد عرفت ما فعل بهم حين كذبوا بأنبيائهم ورسلهم.
قوله :﴿ بَلِ الذين كَفَرُواْ فِي تَكْذِيبٍ ﴾، أي : هؤلاء الذين لا يؤمنون بك في تكذيب لك كدأب من قبلهم، وإنما خُصَّ فرعون وثمود؛ لأن ثموداً في بلاد العرب، وقصتهم عندهم مشهورة، وإن كانوا من المتقدِّمين، وأمر فرعون كان مشهوراً عند أهل الكتاب وغيرهم، وكان من المتأخرين في الهلاك فدلَّ بهما على أمثالهما، والله أعلم.
قوله :﴿ والله مِن وَرَآئِهِمْ مُّحِيطٌ ﴾، أي : يقدر على أن ينزل بهم ما أنزل بفرعون، والمحاط به المحصور.
وقيل : والله أعلم بهم فيجازيهم.
قوله :﴿ بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ ﴾ العامة : على تبعية مجيد ل « قرآن »، وقرأ ابن السميفع بإضافة « قرآن » ل « مجيد ».
فقيل : هو على حذف مضاف، أي : قرآن رب مجيد.
كقوله :[ الوافر ]
٥١٥٨- ولَكِنَّ الغِنَى ربّ غَفُور... أي : غنى رب غفور.
وقيل : بل هو من إضافة الموصوف إلى صفته، فتتحد القراءتان، ولكن البصريين لا يجيزون هذا لئلا يلزم إضافة الشيء إلى نفسه، ويتأولون ما ورد.
ومعنى « مَجِيدٌ » أي : متناهٍ في الشرف والكرم والبركة.
وقيل :« مَجِيدٌ » أي : غير مخلوق.
قوله :﴿ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ﴾، قرأ نافع : برفع « محفوظ » : نعتاً ل « قرآن ».
والباقون : بالجر؛ نعتاً للوح.
والعامة : على فتح اللام، وقرأ ابن السميفع وابن يعمر : بضمها.
قال الزمخشري : يعني اللوح فوق السماء السابعة الذي فيه اللوح، « محفوظ » من وصول الشياطين إليه.
وقال أبو الفضل :« اللّوح » : الهواء، وتفسير الزمخشري بالمعنى، وهو الذي أراده ابن خالويه.
قال القرطبي :« فِي لوحٍ محفُوظٍ » أي : مكتوب في لوح، وهو محفوظ عند الله - تعالى - من وصول الشياطين إليه.
وقيل : هو أم الكتاب، ومنه انتسخ القرآن والكتب.
وقال بعض المفسرين :« اللوح » شيء يلوح للملائكة فيقرءونه.
وفي « الصِّحاح » : لاح الشيء يلوح لوحاً ولواحاً : عطش، وكل عظم عريض، واللوح : الذي يكتب فيه، واللُّوح : بالضم، الهواء بين السماء والأرض. وأنشد دريد :[ الرجز ]
٥١٥٩- عقابُ لُوحِ الجَوِّ أعْلَى مَتْنَا... قال ابن الخطيب : قال - هاهنا - :« فِي لَوْحٍ مَحفُوظٍ »، وقال في آية أخرى :﴿ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ ﴾ [ الواقعة : ٧٧، ٧٨ ] فيحتمل أن يكون الكتاب المكنون، هو اللوح المحفوظ، ثم كونه محفوظاً يحتمل أن يكون محفوظاً عن اطلاع الخلق عليه سوى الملائكة المقربين، ويحتمل أن يكون المراد : ألاَّ يتغيَّر ولا يتبدل. والله أعلم.
روى الثعلبي عن أبيٍّ - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله ﷺ :« مَنْ قَرَأ سُورةَ ﴿ والسمآء ذَاتِ البروج ﴾ أعْطَاهُ اللهُ تعَالَى بعددِ كُلِّ يوم جُمعةٍ، وكُلُّ يَوْم عَرفة، يكُونُ في دَارِ الدُّنْيَا عَشْرَ حسَناتٍ ».


الصفحة التالية
Icon