وعن ابن عبَّاسٍ : أطراف المرء، يداه ورجلاه وعيناه، وهو قول الضحاك.
وقيل : عصارة القلب، وهو قول معمر بن أبي حبيبة.
قال ابنُ عطية : وفي هذه الأقوال تحكم على اللغة.
وقال سعيدُ بنُ جبيرٍ : هو الجيد.
وقال مجاهد : ما بين المنكبين والصدر.
وقال القرطبيُّ : والمشهور من كلام العرب أنها عظام الصَّدْر والنَّحْر.
جاء في الحديث : أن الولد يخلقُ من ماء الرجل، يخرج من صلبه العظم والعصب، وماء المرأة التي يخرج من ترائبها اللحم والدم.
حكى القرطبيُّ : أنَّ ماء الرجل يخرج من الدِّماغ، ثم يجتمع في الأنثيين، وهذا لا يعارض :« مِنْ بَيْنِ الصُّلبِ والتَّرائبِ »؛ لأنه إن نزل من الدِّماغ، فإنما يمرُّ بين الصلب والترائب.
قال قتادةُ : المعنى : يخرج من صلب الرجل وترائب المرأة.
وحكى الفراء : أنَّ مثل هذا يأتي عن العرب، فيكون معنى ما بين الصلب : من الصلب.
والمعنى من صلب الرجل وترائب المرأة، ثم إنَّا نعلم أن النطفة من جميع أجزاء البدن، ولذلك يشبه الرجل والديه كثيراً، وهذه الحكمة في غسل جميع الجسد من خروج المني، وأيضاً فالمكثر من الجماع يجد وجعاً في صلبه وظهره، وليس ذلك إلا لخلو صلبه عما كان محتبساً من الماء.
قال المهدويُّ : من جعل المنيَّ يخرج من بين صلب الرجل وترائبه، فالضمير في « يخرج » للماء، ومن جعله من بين صلب الرجل وترائب المرأة، فالضمير للإنسان.
قوله :﴿ إِنَّهُ ﴾. الضمير للخالق المدلول عليه بقوله تعالى :﴿ خُلِقَ ﴾ ؛ لأنه معلوم أن لا خالق سواه سبحانه.
قوله :﴿ على رَجْعِهِ ﴾، في الهاء وجهان :
أحدهما : أنه ضمير الإنسان أي على بعثه بعد موته، وهو قول ابن عباس وقتادة والحسن وعكرمة، وهو اختيار الطبري، لقوله تعالى :﴿ يَوْمَ تبلى السرآئر ﴾.
والثاني : أنه ضمير الماء، أي : يرجع المنيّ في الإحْليل أو الصلب.
قاله الضحاكُ ومجاهدٌ، والأول قول الضحاك أيضاً وعكرمة.
[ وعن الضحاك أيضاً أن المعنى أنه رد الإنسان من الكِبَرِ إلى الشباب، ومن الشباب إإلى الكبر. حكاه المهدوي.
وفي الماوردي والثعلبي : إلى الصِّبا ومن الصِّبا إلى النُّطفة.
وقال ابن زيد : إنه على حبس ذلك الماء حتى يخرج لقادر.
وقال الماوردي : يحتمل أنه على أن يعيده إلى الدنيا بعثه إلى الآخرة؛ لأن الكفار يسألون فيها الرجعة، والرجع مصدر رجعت الشيء أي : رددته ].
قوله :﴿ يَوْمَ تبلى السرآئر ﴾. فيه أوجه، وقد رتبها أبو البقاءِ على الخلاف في الضمير، فقال : على القول بكون الضمير للإنسان، فيه أوجه :
أحدها : أنه معمول ل « قادر ».
إلاَّ أنَّ ابن عطية قال - بعد أن حكى أوجهاً عن النحاة - :« وكل هذه الفرق فرَّت من أن يكون العامل » لقادر «، لئلاَّ يظهر من ذلك تخصيص القدرة في ذلك اليوم وحدهُ ».


الصفحة التالية
Icon