ثم قال :« وإذا تؤمل المعنى وما يقتضيه فصيح كلام العرب جاز أن يكون العامل » لقادر «، وذلك أنه قال :» إنَّه على رجعهِ لقادرٌ «؛ لأنه إذا قدر على ذلك في هذا الوقت كان في غيره أقدر بطريق الأولى.
الثاني : أن يكون العامل مضمر على التبيين، أي : يرجعه يوم تبلى.
الثالث : تقديره : اذكر، فيكون مفعولاً به، وعلى عوده على الماء يكون العامل فيه : اذكر »
انتهى ملخصاً.
وجوَّز بعضهم أن يكون العامل فيه « نَاصِرٍ »، وهو فاسد؛ لأن ما بعد « ما » النافية وما بعد الفاء لا يعمل فيما قبلهما.
وقيل : العامل « رَجْعِهِ » وهو فاسدٌ؛ لأنه قد فصل بين المصدر ومعموله بأجنبي، وهو خبر « إنَّ ». وبعضهم يقتصره في الظرف.
قوله :« تُبلَى » تختبر وتعرف؛ قال الراجز :[ الرجز ]

٥١٦٩- قَدْ كُنْتَ قَبْلَ اليَوْم تَزْدَرينِي فاليَومَ أبْلُوكَ وتَبْتَلِينِي
أي : أعرفك وتعرفني.
وقيل :﴿ تبلى السرآئر ﴾ تخرج من مخبآتها وتظهر، وهو كل ما استسرّه الإنسان من خير، أو شر، وأضمره من إيمان، أو كفر.
قال ابن الخطيب : والسرائرُ : ما أسر في القلوب، والمراد هنا : عرض الأعمال، ونشر الصحف، أو المعنى : اختبارها، وتمييز الحسن منها من القبيح لترتيب الثواب والعقاب.
وقال رسول الله ﷺ :« ائْتَمَنَ اللهُ - تعَالَى - خَلقهُ على أرْبَع : الصَّلاةِ، والزَّكاةِ والصِّيام، والغُسْلِ، وهُنَّ السَّرائِرُ الَّتي يَختبِرُهَا اللهُ - عزَّ وجلَّ - يَوْمَ القِيَامَةِ » ذكره المهدوي.
وروى الماورديُّ عن زيدٍ بن أسلم، قال : قال رسول الله ﷺ :« الأمَانَةُ ثلاثٌ : الصَّلاةُ، والصَّومُ، والجنَابةُ، اسْتأمَنَ اللهُ - تعالى - ابْنَ آدمَ على الصَّلاةِ، فإن شاء قال : صلَّيْتُ، ولمْ يُصَلِّ، واسْتأمنَ اللهُ تعالى ابْنَ آدَم على الصَّوم، فإنْ شَاءَ قَالَ :[ صُمْتُ ولَمْ يَصُمْ واسْتَأمنَ اللهُ تعالى ابْن آدمَ على الجَنابةِ فإنْ شَاءَ قَال :] اغْتسَلت ولمْ يَغْتسِلْ، اقْرَأوا إن شِئْتُم :﴿ يَوْمَ تبلى السرآئر ﴾ ».
[ وقال مالك - رضي الله عنه - : الوضوء من السرائر، والسرائر ما في القلوب يجزي الله به العباد ].
وقال ابن العربيِّ : قال ابن مسعود - رضي الله عنه - : يغفر للشهيد إلاَّ الأمانة، والوضوء من الأمانة، والصلاة والزكاة من الأمانة، والوديعة من الأمانة، وأشد ذلك الوديعة، تمثل له على هيئتها يوم أخذها، فيرمى بها في قعر جهنم، فيقال له : أخرجها، فيتبعها، فيجعلها في عنقه، وإذا أراد ان يخرج بها زلت، فيتبعها، فيجعلها في عنقه، فهو كذلك دهر الداهرين.
وقال أبي بن كعب : من الأمانة أن ائتمنت المرآة على فرجها.
وقال سفيان : الحيضة والحمل من الأمانة، إن قالت : لم أحضْ وأنا حامل صدقت ما لم يأت ما يعرف فيه أنها كاذبة.
قوله :﴿ فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلاَ نَاصِرٍ ﴾، أي : فما الإنسان من قوَّة، أي : منعةٍ تمنعه، ولا ناصرٍ ينصره عن ما نزل به.
قال ابن الخطيب : ويمكن أن يتمسك بهذه الآية على نفي الشفاعة، لقوله تعالى :﴿ واتقوا يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً ﴾ [ البقرة : ٤٨ ] الآية.
والجواب ما تقدم.


الصفحة التالية
Icon