قوله :﴿ والسمآء ذَاتِ الرجع ﴾.
قيل : الرَّجْعُ : مصدر، بمعنى رجوع الشمس والقمر إليها، والنجوم تطلع من ناحيته، وتغيب في أخرى.
وقيل : الرَّجْعُ : المطر؛ قال : المتنخِّل، يصف سيفاً يشبههُ بالماء :[ السريع ]

٥١٧٠- أبْيَضُ كالرَّجْعِ رَسُوبٌ إذَا ما ثَاخَ في مُحْتفلٍ يَخْتَلِي
وقال :[ البسيط ]
٥١٧١- رَبَّاءُ شَمَّاءُ لا يَأوِي لقُلَّتِهَا إلاَّ السَّحَابُ وإلاَّ الأوبُ والسَّبلُ
وقال الخليل : المطر نفسه، وهذا قول الزجاج.
قال ابن الخطيب : واعلم أن كلام الزجاج، وسائر علماء اللغة « صريح » في أن الرجع ليس اسماً موضوعاً للمطر، بل سمي رجعاً مجازاً، وحسن هذا المجاز وجوه :
أحدها : قال القفال : كأنه من ترجيع الصوت وهو إعادته، ووصل الحروف به، وكذا المطر، لكونه يعود مرة بعد أخرى سمِّي رجعاً.
وثانيها : أن العرب كانوا يزعمون أنَّ السَّحاب يحمل الماء من بحار الأرض، ثم يرجعه إلى الأرض.
والرجع - أيضاً - نبات الربيع.
وقيل :« ذَاتِ الرَّجْعِ » أي : ذات النفع.
وقيل : ذات الملائكة، لرجوعهم فيها بأعمال العباد، وهذا قسم.
﴿ والأرض ذَاتِ الصدع ﴾ قسمٌ آخر، أي : تتصدع عن النبات، والشجر، والثمار، والأنهار، نظيره :﴿ ثُمَّ شَقَقْنَا الأرض شَقّاً ﴾ [ عبس : ٢٦ ].
والصَّدعُ : بمعنى الشق؛ لأنه يصدع الأرض، فتصدع به، وكأنَّه قال : والأرض ذات النبات الصادع للأرض.
وقال مجاهد : الأرض ذات الطريق التي تصدعها المشاة.
وقيل : ذات الحرث لأنه يصدعها.
وقيل : ذات الأموات لانصداعها للنشور.
وقيل : هما الجبلان بينهما شق وطريق نافذ لقوله تعالى :﴿ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً ﴾ [ الأنبياء : ٣١ ].
قال ابن الخطيب : واعلم أنَّه تعالى، كما جعل كيفية خلقه الحيوان دليلاً على معرفة المبدأ والمعاد، ذكر في هذا القسم كيفية خلقه النبات.
فقال تعالى :﴿ والسمآء ذَاتِ الرجع ﴾ أي : كالأب، « والأرض ذات الصدع » كالأم، وكلاهما من النعم العظام؛ لأن نعم الدنيا موقوفة على ما ينزل من السماء متكرراً، وعلى ما ينبت من الأرض كذلك، ثم أردف هذا القسم بالمقسم عليه، وهو قوله تعالى :﴿ إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ ﴾. وهذا جواب القسم، والضمير في « إنَّه » للقرآن، أي : إن القرآن يفصل بين الحق والباطل.
وقال القفالُ : يعود إلى الكلام المتقدم والمعنى : ما أخبرتكم به من قدرتي على إحيائكم يوم تبلى سرائركم قول فصل، وحق، والفصل : الحكم الذي ينفصل به الحق عن الباطل، ومنه فصل الخصومات، وهو قطعها بالحكم الجزم، [ ويقال : هذا قول فصل قاطع للشر والنزاع.
وقيل : معناه جد ] لقوله :﴿ وَمَا هوَ بالهزل ﴾. أي : باللعب، والهزل : ضد الجد والتشمير في الأمر، يقال : هزل يهزل.
قال الكميتُ :[ الطويل ]
٥١٧٢- تَجُدُّ بِنَا فِي كُلِّ يَومٍ وتهْزِلُ... قوله :﴿ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً ﴾، أي : أنَّ أعداء الله يكيدون كيداً، أي : يمكرون بمحمد ﷺ وأصحابه مكراً.
قيل : الكَيْدُ : إلقاء الشبهات، كقولهم :﴿ إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدنيا ﴾


الصفحة التالية
Icon