الرابع : أن يكون « نِصفَهُ » بدلاً من « قَلِيْلاً » كما تقدم؛ إلا أنك تجعل القليل الثاني ربع الليلِ، وقد أوضح الزمخشري هذا أيضاً، فقال :« ويجوز إذا أبدلت » نِصْفَهُ « من » قَلِيْلاً « وفسرته به أن تجعل » قَلِيلاً « الثاني بمعنى نصف النصف بمعنى الربع، كأنه قيل : أو انقص منه قليلاً نصفه، وتجعل المزيد على هذا القليل أعني الربع نصف الربع، كأنه قيل : أو زد عليه قليلاً نصفه، ويجوز أن تجعل الزيادة لكونها مطلقة تتمة الثلث، فيكون تخييراً بين النصف، والثلث، والربع » انتهى.
واختار ابن الخطيب هذا الوجه مع الوجه الثاني : فقال : وقد أكثر الناس في هذه الآية، وفيها وجهان ملخصان :
أحدهما : أن القليل في قوله :« إِلاَّ قَليْلاً »، هو الثلث، لأن قوله تعالى في آخر السورة :﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أدنى مِن ثُلُثَيِ الليل وَنِصْفَهُ ﴾، يقتضي أن أكثر المقادير الواجبة هو الثلثان، فيكون قيامُ الثلث جائزاً، وهو قوله :﴿ إلاَّ قَلِيلاً ﴾ فكأنه قيل : قم ثلثي الليل، ثم قال :« نِصْفَهُ » فمعناه : أو قم نصفه، من باب قولهم :« جالس الحسن، أو ابن سيرين » على الإباحة، فحذف العاطف، فالتقدير : قم الثلثين، أو قم النصف، أو انقص من النصف، أو زد عليه، فعلى هذا يكون الثلثان أقصى الزيادة، والثلث أقصى النقصان، فيكون الواجب هو الثلث، والزائد عليه مندوباً، فإن قيل : فيلزم على قراءة الخفض في « نصفه » و « ثلثه » أن يكون النبي ﷺ ترك من الواجب الأدنى، لأنه تعالى قال :﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أدنى مِن ثُلُثَيِ الليل وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ ﴾ فيكون المعنى أنك تقوم أقل من الثلثين، وأقل من النصف وأقل من الثلث، فإذا كان الثلث واجباً كان النبي ﷺ تاركاً للواجب؟
قلنا : المقدر للشيء قد ينقص منه لعدم انضباطه لأنه باجتهاد فربما أخطأ، فهو كقوله تعالى :﴿ عَلِمَ أَن لَّنْ تُحْصُوهُ ﴾ [ المزمل : ٢٠ ].
الثاني : أن « نِصْفَهُ » تفسير ل « قَلِيْلاً » لأن النصف قليل بالنسبة إلى الكل لأن المكلف بالنصف لا يخرج عن العهدة بيقين، إلا بزيادة شيء قليل عليه فيصير في الحقيقة نصفاً وشيئاً، فيكون الباقي بعد ذلك أقل من النصف، فالمعنى : قم نصف الليل، أو انقص منه نصفه، وهو الربع، أو زد عليه نصفه، وهو الربع، فيصير المجموع ثلاثة أرباع، فيكون مخيراً بين أن يقوم تمام النصف، أو ربع الليل، أوثلاثة أرباعه، وحينئذ يزول الإشكال بالكلية، لأن الربع أقل من الثلث، وذلك أن قوله تعالى :﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أدنى مِن ثُلُثَيِ الليل وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ ﴾ يدل على أنه ﷺ لم يقم ثلثي الليل، ولا نصفه ولا ثلثه، لأن الواجب لما كان هو الربع فقط، لم يلزم ترك قيام الثلث.