قال شهاب الدين : وهذا لا يرد؛ لأنه على تقدير تسليم القول بالمفهوم، وقد منع منه مانع، كالسياق في الآية الكريمة.
ثم قال أبو حيَّان : ولو قيل : الجملة في موضع رفع صفة للمحذوف المقدر في :« إلاَّ من ضريع »، كان صحيحاً؛ لأنه في موضع رفع، على أنه بدل من اسم ليس، أي : ليس لهم طعام إلاَّ كائن من ضريع؛ إذ لا طعام من ضريع غير مسمنٍ، ولا مغنٍ من جوع، وهذا تركيب صحيح، ومعنى واضح.
وقال الزمخشريُّ أيضاً :« أو أريد لا طعام لهم أصلاً؛ لأن الضريع ليس بطعام للبهائم فضلاً عن الإنس؛ لأن الطعام ما أشبع، أو أسمن، وهو عنهما بمعزل، كما تقول : ليس لفلان إلا ظلّ إلا الشمس، تريد نفي الظل على التوكيد ».
قال أبو حيَّان : فعلى هذا يكون استثناء منقطعاً؛ لأنه لم يندرج الكائن من الضريع تحت لفظ طعام، إذ ليس بطعام، والظاهر : الاتصال فيه، وفي قوله تعالى :﴿ وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ ﴾ [ الحاقة : ٣٦ ].
قال شهابُ الدين : وعلى قول الزمخشري المتقدم لا يلزم أن يكون منقطعاً، إذ المراد نفي الشيء بدليله أي : إن كان لهم طعام، فليس إلا هذا الذي لا يعده أحد طعاماً، ومثله : ليس له ظل إلا الشمس وقد مضى تحقيق هذا عند قوله تعالى :﴿ لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الموت إِلاَّ الموتة الأولى ﴾ [ الدخان : ٥٦ ] وقوله :[ الطويل ]

٥١٨٤- ولا عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أنَّ سُيُوفَهُمْ .....................................
ومثله كثير.

فصل في المراد بالآية


المعنى : أن طعامهم ليس من جنس طعام الإنس؛ لأنه نوع من أنواع الشوك، والشوك مما ترعاه الإبلُ، وهذا النوع مما تنفر عنه الإبل، فإذن منفعة الغذاء منتفية عنه، وهما : إماطة الجوع، وإفادة القوة والسمن في البدن أو يكون المعنى : ليس لهم طعام أصلاً؛ لأن الضريع ليس بطعام للبهائم فضلاً عن الإنسان، لأن الطعام ما أشبع أو أسمن.
قال المفسرون : لما نزلت هذه الآية، قال المشركون : إن إبلنا لتسمن بالضريع، فنزلت :﴿ لاَّ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِن جُوعٍ ﴾ وكذا فإن الإبل ترعاه رطباً، فإذا يبس لم تأكله.
وقيل : اشتبه عليهم أمره، فظنوه كغيره من النَّبتِ النافع؛ لأن المضارعة المشابهة، فوجدوه لا يسمن ولا يغني من جوع، فيكون المعنى : أن طعامهم من ضريعٍ لا يسمن من جنس ضريعكم، إنما هو من ضريع غير مسمن، ولا مغن من جوع.


الصفحة التالية
Icon