والجواب : أن فعلهم كان معلقاً بقصد الله - تعالى - فبطل قولهم.
قوله :﴿ فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ ﴾.
قرأ الكسائي :« لا يعذَّب ولا يُوثَقُ » مبنيين للمفعول، ورواه أبو قلابة عن النبي ﷺ بفتح الثاء والذال، والباقون : قرأوهما مبنيين للفاعل.
فأمَّا قراءة الكسائي : فأسند الفعل فيها إلى :« أحد »، وحذف الفاعل للعلم به وهو الله تعالى، والزبانية المتولون العذاب بأمر الله تعالى، وأما عذابه ووثاقه، فيجوز أن يكون المصدران مضافين للفاعل، والضمير لله تعالى، أو مضافين للمفعول، والضمير للإنسان، ويكون « عذابَ » واقعاً موقع تعذيب، والمعنى : لا يُعذِّبُ أحدٌ مثل تعذيب الله - تعالى - هذا الكافر، ولا يوثق أحد توثيقاً مثل إيثاق الله إياه بالسلاسل والأغلال ولا يعذب أحد مثل تعذيب الكافر ولا يوثق مثل إيثاقه لكفره، وعناده.
والوثاق : بمعنى : الإيثاق، كالعطاء بمعنى الإعطاء، إلا أن في إعمال اسم المصدر عمل مسمَّاه خلافاً مضطرباً، فنقل عن البصريين المنع، وعن الكوفيين الجواز، ونقل العكس عن الفريقين؛ ومن الإعمال قوله :[ الوافر ]

٥٢٠٨- أكُفْراً بعْدَ ردِّ المَوْتِ عنِّي وبَعْدَ عَطائِكَ المِائةَ الرِّتَاعَا
ومن منع : نصب المائة بفعل مضمرٍ؛ وأصرح من هذا القول الشاعر :[ الطويل ]
٥٢٠٩-............................... تُكَلِّمُنِي فِيهَا شفاءٌ لمَا بِيَا
وقيل : المعنى : ولا يحمل عذاب الإنسان أحد، كقوله تعالى :﴿ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى ﴾ [ الأنعام : ١٦٤ ]. قاله الزمخشري.
وأما قراءة الباقين : فإنَّه أسند الفعل لفاعله، والضمير في :« عذابه »، و « وثاقه » يحتمل عوده على الباري - تعالى -، بمعنى : أنه لا يعذب في الدنيا، مثل عذاب الله تعالى يوم أحد، أي : أن عذاب من يعذب في الدنيا، ليس كعذاب الله - تعالى - يوم القيامة، كذا قاله أبو عبد الله.
وفيه نظر، من حيث إنه يلزم أن يكون :« يومئذ » معمولاً للمصدر التشبيهي، وهو ممتنع لتقدمه عليه، إلاَّ أن يقال : إنه توسع فيه.
وقيل : المعنى : لا يكل عذابه، ولا وثاقه لأحد؛ لأن الأمر لله - تعالى - وحده في ذلك.
وقيل : المعنى : أنه في الشدة، والفظاعة، في حين لم يعذب أحد في الدنيا مثله.
ورد هذا، بأن « لا »، إذا دخلت على المضارع صيرته مستقبلاً، وإذا كان مستقبلاً لم يطابق هذا المعنى، ولا يطلق على الماضي إلاَّ بمجازٍ بعيد، وبأن يومئذ المراد به يوم القيامة، لا دار الدُّنيا.
وقيل : المعنى : أنه لا يعذب أحد في الدنيا، مثل عذاب الله الكافر فيها، إلا أن هذا مردود بما ورد قبله.
ويحتمل عوده على الإنسان، بمعنى : لا يعذب أحد من زبانية العذاب، مثل ما يعذبون هذا الكافر، ويكون المعنى : لا يحمل أحد عذاب الإنسان، لقوله تعالى :﴿ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى ﴾ [ الأنعام : ١٦٤ ]، وهذه الأوجه صعبة المرام على طالبها من غير هذا الكتاب.
وقرأ نافع في رواية، وأبو جعفر وشيبة، بخلاف عنهما :« وثاقه » بكسر الواو.
والمراد بهذا الكافر المعذب، قيل : إبليس - لعنه الله -؛ لأنه أشد الناس عذاباً.
وقال الفراء : هو أمية بن خلف.


الصفحة التالية
Icon