وقال سعيد بن جبير : مات ابن عباس ب « الطائف »، فجاء طائر لم ير على خلقه طائر قط، فدخل نعشه، ثم لم ير خارجاً منه، فلما دفن تليت هذه الآية على شفير القبر، لا ندري من تلاها :﴿ ياأيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً ﴾ [ روى الضحاك أنها نزلت في عثمان بن عفان رضي الله عنه حين وقف بئر رومة ].
وقيل : نزلت في خُبيبِ بن عديٍّ، الذي صلبه أهل « مكة »، وجعلوا وجهه إلى « المدينة »، فحوّل الله وجهه للقبلة.
قوله :﴿ فادخلي فِي عِبَادِي ﴾، يجوز أن يكون في جسدِ عبادي، ويجوز أن يكون المعنى في زُمرةِ عبادي. وقرأ ابنُ عبًّاسٍ وعكرمةُ وجماعةٌ :« في عَبْدِي »، والمراد : الجِنْس، وتعدَّى الفعل الأول ب « في »؛ لأنَّ الظرف ليس بحقيقي نحو : دخلت في غمارِ الناس’ وتعدَّى الثاني بنفسه؛ لأن الظرفية متحققة، كذا قيل، وهذا إنما يتأتّى على أحد الوجهين، وهو أن المراد بالنَّفس : بعض المؤمنين، وأنه أمر بالدخول في زُمْرَة عباده، وأما إذا كان المراد بالنفس : الرُّوح، وأنها مأمورة بدخولها في الأجساد، فالظرفية متحققة فيه أيضاً.

فصل في المراد بالجنة هاهنا


قال ابنُ عبَّاسٍ : هذا يوم القيامة، وهو قول الضحاك.
والجمهور على أنَّ المراد بالجنة : دار الخلود، التي هي سكنُ الأبرار، ودار الصالحين والأخيار.
ومعنى « فِي عبَادِي » أي : في الصالحين، كقوله تعالى :﴿ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصالحين ﴾ [ العنكبوت : ٩ ].
قال ابن الخطيب : ولمَّا كانت الجنَّة الروحانية غير متراخية عن الموت في حق السعداء، لا جرم قال تعالى :﴿ فادخلي فِي عِبَادِي ﴾، بفاء التعقيب، ولما كانت الجنة الجسمانية، لا يحصل الكون فيها إلا بعد قيام القيامة الكبرى، لا جرم قال تعالى :﴿ وادخلي جَنَّتِي ﴾ بالواو والله تعالى أعلم.
روى الثَّعلبيُّ عن أبيُّ - رضي الله عنه - قال : قال رسُولُ الله ﷺ :« مَنْ قَرَأ سُورةَ ﴿ والفجر وَلَيالٍ عَشْرٍ ﴾ غُفِرَ لهُ، ومَنْ قَرَأهَا فِي سَائِرِ الأيَّامِ كانَتْ لَهُ نُوراً يوم القيامة ».


الصفحة التالية
Icon