قوله :﴿ وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ ﴾.
قيل « ما » بمعنى :« من »، أو بمعنى :« الذي ».
وقيل : مصدرية أقسم بالشخص وفعله.
وقال الزمخشريُّ : فإن قلت : هلا قيل : ومَنْ ولد؟
قلت : فيه ما في قوله :﴿ والله أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ ﴾ [ آل عمران : ٣٦ ]، أي : بأي شيء وضعت، يعني : موضوعاً عجيب الشأن.
وقيل :« ما » : فيحتاج إلى إضمار موصول به يصح الكلام، تقديره : والذي ما ولد، إذ المراد بالوالد، الذي يولد له، « ومَا وَلَد » يعني : العَاقِر الذي لا يُولدُ له، قال معناه ابنُ عبَّاسٍ، وتلميذه ابنُ جبيرٍ وعكرمةُ.

فصل في الكلام على الآية


هذا معطوف على قوله :﴿ لاَ أُقْسِمُ بهذا البلد ﴾، وقوله تعالى :﴿ وَأَنتَ حِلٌّ بهذا البلد ﴾ معترض بين المعطوف والمعطوف عليه.
قال ابنُ عباسٍ ومجاهد وقتادةُ والضحاكُ والحسنُ وأبو صالحٍ والطبريُّ : المراد بالوالد : آدم ﷺ، « ومَا وَلَد » أي : وما نسل من ولده، أقسم بهم؛ لأنهم أعجب ما خلق تعالى على وجه الأرض، لما فيهم من البنيان، والنُّطق، والتدبير، وإخراج العلوم، وفيهم الأنبياء، والدُّعاة إلى الله تعالى، والأنصار لدينه، وأمر الملائكة بالسُّجود لآدم - عليه السلام - وعلمه الأسماء كلَّها، وقد قال تعالى :﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ﴾ [ الإسراء : ٧٠ ].
وقيل : هو إقسام بآدم، والصالحين من ذريته، وأما الطالحون، فكأنهم بهائم، كما قال تعالى :﴿ إِنْ هُمْ إِلاَّ كالأنعام ﴾ [ الفرقان : ٤٤ ]، وقوله :﴿ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ ﴾ [ البقرة : ١٨ ].
وقيل : الوالد : إبراهيم - ﷺ - ﴿ وَمَا وَلَدَ ﴾ [ ذريته.
وقيل : الوالد إبراهيم وإسماعيل، وما ولد محمد ﷺ لأنه أقسم بمكة وإبراهيم ].
قال الفراء : وصلح « ما » للناس، كقوله :﴿ مَا طَابَ لَكُمْ ﴾ [ النساء : ٣ ]، وقوله تعالى :﴿ وَمَا خَلَقَ الذكر والأنثى ﴾ [ الليل : ٣ ]، وهو خالق الذكر والأنثى.
قال الماورديُّ : ويحتمل أن الوالد : النبي ﷺ لتقدم ذكره، « ومَا وَلَد » : أمته : لقوله ﷺ، « إنَّما أنَا بِمنزْلَةِ الوَالِدِ أعَلِّمكُمْ »، فأقسم به وبأمته، بعد أن أقسم ببلده، مبالغة في تشريفه ﷺ.
قوله :﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان فِي كَبَدٍ ﴾ : هذا هو المقسم عليه، والكبد : المشقة.
قال الزمخشريُّ : والكَبدُ : أصله من قولك : كبدَ الرجل كبداً، فهو أكْبَد، إذا وجعت كبده وانتفخت، فاتسع فيه، حتى استعمل في كل تعب ومشقة، ومنه اشتقت المُكابَدةُ، كما قيل : كبته بمعنى أهلكه، وأصله : كبده إذا أصاب كبده.
قال لبيد :[ المنسرح ]
٥٢١١- يَا عَيْنُ هَلاَّ بَكَيْتِ أربَدَ إذْ قُمْنَا وقَامَ الخُصومُ في كَبدِ
أي : في شدة الأمر، وصعوبة الخطب؛ وقال أبو الإصبع :[ البسيط ]


الصفحة التالية
الموسوعة القرآنية Quranpedia.net - © 2024
Icon
٥٢١٢- لِيَ ابنُ عَمٍّ لو انَّ النَّاس في كَبدٍ لظَلَّ مُحْتَجِزاً بالنَّبْلِ يَرْمينِي