الحديث.
وسمي المرقوق رقبة؛ لأنه بالرق كالأسير المربوط في رقبته، وسمي عتقها فكَّا كفك الأسير من الأسْر؛ قال :[ البسيط ]

٥٢١٤- كَمْ مِنْ أسِيرٍ فَكَكنَاهُ بِلاَ ثَمَنٍ وجَرِّ نَاصِيةٍ كُنَّا مَواليهَا
قال الماورديُّ : ويحتمل ثانياً : إنه أراد فك رقبته، وخلاص نفسه، باجتناب المعاصي، وفعل الطاعات، ولا يمتنع الخبر من هذا التأويل، وهو أشبه بالصواب.
فص في أن العتق أفضل من الصدقة
قال أبو حنيفة - رضي الله عنه - : العِتْقُ أفضل من الصدقة، وعند صاحبيه الصدقة أفضل، والآية أدلّ على قول أبي حنيفة، لتقديم العتق على الصدقة.
قوله :﴿ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ ﴾، أي : مجاعة، والسَّغبُ : الجوع، والسَّاغبُ : الجائع.
قال شهابُ الدِّين : والمسغبةُ : الجوع مع التعب، وربما قيل في العطش مع التعب.
قال الراغب : يقال سغَبَ الرجل يسغبُ سغباً وسغوباً فهو ساغبٌ، وسغبان، والمسغبةُ : مفعل منه.
وأنشد أبو عبيدة :[ الطويل ]
٥٢١٥- فَلَوْ كُنْت جاراً يَا بْنَ قَيْسٍ بن عاصمٍ لمَا بتَّ شَبْعَاناً وجاركَ سَاغِبا

فصل


إطعام الطعام فضيلة، وهو مع السغب الذي هو الجوع أفضل.
وقال النخعي في قوله تعالى :﴿ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ ﴾، قال : في يوم عزيز فيه الطَّعام.
قوله :﴿ يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ ﴾، أي : قرابة.
قال الزمخشريُّ :« والمَسْغبَةُ، والمَقربةُ، والمَتربةُ : مفعلات، من سغبَ إذا جاع، وقرب في النسب، قال : فلان ذو قرابتي وذو مقربتي، وترب إذا افتقر ».
وهذه الآية تدل على أن الصدقة على الأقارب، أفضل منها على الأجانب.
واليتيم : قال بعض العلماء : اليتيمُ في الناس من قبل الأب، وفي البهائمِ من قبلِ الأمَّهاتِ.
وقال بعضهم : اليتيمُ :« الذي يموت أبواه ».
قال قيس بن الملوح :[ الطويل ]
٥٢١٦- إلى اللهِ أشْكُو فَقْدَ لَيْلَى كَما شَكَا إلى الله فَقْدَ الوَالِدَيْنِ يَتِيمُ
ويقال : يتم الرجل يتماً : إذا ضعف.
قوله :﴿ أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ ﴾، أي : لا شيء له، حتى كأنه قد لصق بالتراب من الفقر يقال : ترب أي افتقر حتى لصق جلده بالتراب، فأما أترب بالألف فمعناه استغنى نحو : أثرى أي صار مالكه كالتراب وكالثرى.
قال المفسرون : هو الذي ليس له مأوى إلا التراب.
وقال ابن عباس : هو المطروح على الطريق الذي لا بيت له.
وقال مجاهد : الذي لا يقيه من التراب لباس ولا غيره.
وقال قتادة : إنه ذو العيال.
وقال عكرمة عن ابن عباس : ذو المتربة هو البعيد عن وطنه، ليس له مأوى إلاَّ التراب.

فصل في أن المسكين قد يملك شيئاً


احتجوا بهذه الآية على أن المسكين قد يملك شيئاً؛ لأنه لو كان المسكين هو الذي لا يملك شيئاً - ألبتة - لكان تقييده بقوله :« ذا مَتْربة » تكرير.
قوله :﴿ ثُمَّ كَانَ مِنَ الذين آمَنُواْ ﴾. التراخي في الإيمان، وتباعده في المرتبة والفضيلة عن العتق والصدقة، لا في الوقت؛ لأن الإيمان هو السابق، ولا يثبت عمل إلاَّ به.


الصفحة التالية
Icon