قال شهاب الدين :« وغرضه من هاتين الحكايتين، جواز قراءة القرآن بالمعنى، وليس في هذا دليل؛ لأنه تفسيرُ معنى، وأيضاً، فالذي بين أيدينا قرآن متواتر، وهذه الحكاية آحاد، وقد تقدم أن أبا الدرداء كان يُقْرِىءُ رجلاً، ﴿ إِنَّ شَجَرَةَ الزقوم طَعَامُ الأثيم ﴾ [ الدخان : ٤٣-٤٤ ]، فجعل الرجل يقول : طعام اليتيم، فلما تبرم منه قال : طعام الفاجر يا هذا، فاستدل به على ذلك من يرى جوازه، وليس فيه دليل، لأن مقصود أبي الدرداء بيان المعنى فجاء بلفط مبين ».
قال الأنباري : وذهب بعض الزائغين إلى أن من قال : إن من قرأ بحرف يوافق معنى حرف من القرآنِ، فهو مصيب إذا لم يخالف ولم يأت بغير ما أراد الله، واحتجوا بقول أنس هذا، وهذا قول لا يعرج عليه، ولا يلتفت إلى قائله، لأنه لو قرىء بألفاظ القرآن إذا قاربت معانيها، واشتملت على غايتها لجازأن يقرأ في موضع ﴿ الحمد للَّهِ رَبِّ العالمين ﴾ الشكر للباري ملك المخلوقين، ويتسع الأمر في هذا، حتى يبطل لفظ جميع القرآن، ويكون التالي له مفترياً على الله - تعالى - كاذباً على رسوله ﷺ ولا حجة لهم في قول ابن مسعود :« نَزلَ القرآنُ على سَبْعَةِ أحْرُفٍ، إنما هو كقول أحدكم : تعلم، وتعال، وأقبل »؛ لأن هذا الحديث يوجب أن القراءات المنقولة بالأسانيد الصحاح عن النبي ﷺ إذا اختلفت ألفاظها، واتفقت معانيها، كان ذلك فيها بمنزلة الخلاف في « هَلُمَّ »، وتعال، وأقبل «، فأما ما لم يقرأ به النبي ﷺ وأصحابه، وتابعوهم، فإن من أورد حرفاً منه في القرآن بهت، ومال، وخرج عن مذهب الصواب، وحديثهم الذي جعلوه قاعدتهم في هذه الضلالة لا يصححه أهل العلم. انتهى.
فصل في فضل صلاة الليل
بيَّن تعالى في هذه الآية فضل صلاةِ الليل على صلاة النَّهار، وأن الاستكثار من صلاة الليل بالقراءة فيها ما أمكن أعظم للأجر، وأجلب للثواب، كان علي بن الحسين يصلي بين المغرب، والعشاء، ويقول : هذه ناشئة الليل.
وقال عطاء وعكرمة : هو بدوام الليل. قال في الصحاح :» ناشئة الليل « أول ساعاته.
وقال ابن عباس ومجاهد وغيرهما : هي الليل كلهُ، لأنه ينشأ بعد النهار، وهو اختيار مالك.
قال ابن العربي :» وهو الذي يعطيه اللفظ ويقتضيه اللغة «.
وقالت عائشة رضي الله عنها وابن عباس - أيضاً - ومجاهد : إنما الناشئة القيام بالليل بعد النوم، ومن قال قبل النوم فما قام ناشئة.
وقال يمان وابن كيسان : هو القيام من آخر الليل.