قوله :﴿ فَأَمَّا مَنْ أعطى ﴾. قال ابن مسعود - رضي الله عنه - يعني أبا بكر، وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله تعالى :﴿ فَأَمَّا مَنْ أعطى ﴾ أي : بذل واتقى محارم الله التي نهي عنها ﴿ وَصَدَّقَ بالحسنى ﴾ أي : بالخلف من الله تعالى على عطائه ﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لليسرى ﴾.
قال رسول الله ﷺ :« مَا مِنْ يَومٍ غَربت شَمْسهُ إلا بُعِثَ بجَنْبتها مَلكانِ يُنَاديانِ يَسْمَعُهمَا خلقُ اللهِ كُلُّهم إلاَّ الثَّقليْنِ : اللَّهُمَّ أعْطِ مُنْفقاً خَلفاً، وأعْطِ مُمْسِكاً تَلفاً ».
وأنزل الله تعالى :﴿ فَأَمَّا مَنْ أعطى واتقى وَصَدَّقَ بالحسنى ﴾... الآيات.
فصل
حذف مفعول « أعطى » ومفعول « اتقى »، ومفعول « صدّق » المجرور ب « على »، لأن الغرض ذكرُ هذه الأحداث دون متعلقاتها، وكذلك متعلقات البخل والاستغناء، وقوله تعالى :﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ للعسرى ﴾ إما من باب المقابلة لقوله ﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لليسرى ﴾ وإما نيسرهُ : بمعنى نهيئه، والتهيئة تكون في العسر واليسر.
فصل في المراد بالإعطاء
قال المفسرون :« فأمَّا مَنْ أعْطَى » المعسرين.
وقال قتادة : أعطى حق الله الواجب.
وقال الحسن : أعطى الصدق من قلبه وصدق بالحسنى، أي بلا إله إلا الله، وهو قول ابن عباس والضحاك والسلمي رضي الله عنهم.
وقال مجاهد : بالجنة؛ لقوله تعالى :﴿ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الحسنى وَزِيَادَةٌ ﴾ [ يونس : ٢٦ ].
وقال زيد بن أسلم : في الصلاة والزكاة والصوم.
وقوله :« فسنيسره لليسرى » أي نرشده لأسباب الخير والصلاح حتى يسهل عليه فعلها.
وقال زيد بن أسلم : لليسرى؛ للجنة.
قال رسول الله ﷺ :« » مَا مِن نَفسٍ إلاَّ كتَبَ اللهُ - تَعَالَى - مَدخَلهَا « فقال القَوْمُ : يَا رسُولَ اللهِ، أفَلا نَتَّكِلُ على كِتَابِنَا؟ فقَال - عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ - :» بَل اعملُوا فكُلٌّ مُيسَّرٌ، فمن كانَ من أهْلِ السَّعَادةِ فإنَّهُ مُيَسَّرٌ لعملِ أهْلِ السَّعادةِ، ومن كَانِ مِنْ أهْلِ الشَّقَاوةِ فإنَّهُ ميسَّرٌ لعملِ أهْلِ الشَّقاوةِ « ثُمَّ قَرَأ :﴿ فأما من أعْطَى واتَّقَى، وصَدقَ بِالحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾ ».
قوله :﴿ وَأَمَّا مَن بَخِلَ واستغنى ﴾. أي : ضنَّ بما عنده فلم يبذل خيراً، وروي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله :﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ للعسرى ﴾، قال : سوف أحول بينه وبين الإيمان بالله وبرسوله.
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال نزلت في أمية بن خلف. وعن ابن عباس :﴿ وأمَّا من بَخِلَ واسْتَغَنَى ﴾، أي : بخل بماله واستغنى عن ربه ﴿ وَكَذَّبَ بالحسنى ﴾ أي : بالخلف الذي وعده الله تعالى في قوله تعالى :﴿ وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ﴾ [ سبأ : ٣٩ ].
[ وقال مجاهد : وكذب بالحسنى أي بالجنة، وعنه : بلا إله إلا الله. فنيسره للعسرى أي نسهل عليه طريقة العسرى للشر، وعن ابن مسعود : أي للنار ].