ثم أخبر الله تعالى عن حاله التي كان عليها قبل الوحي وذكره نعمه فقال :﴿ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فآوى ﴾، العامة على :« فآوى » بألف بعد الهمزة رباعياً.
وأبو الأشهب :« فأوى » ثلاثياً.
قال الزمخشري :« وهو على معنيين : إما من » أواه « بمعنى » آواه « سمع بعض الرعاة يقول : أين آوي هذه الموقسة؟ وإما من أوى له، إذا رحمه ». انتهى.
وعلى الثاني قوله :[ الطويل ]
٥٢٤٠- أرَانِي ولا كُفْرانَ للَّهِ أيَّةَ | لنَفْسِي لقَدْ طَالبْتُ غَيْرَ مُنيلِ |
فصل
قال ابن الخطيب :« يَجدْكَ » من الوجود الذي بمعنى العلم، والمفعولان منصوبان ب « وجد »، والوجود من الله العلم، والمعنى : ألم يعلمك الله يتيماً فآوى.
قال القرطبي :« يَتِيْماً » لا أب لك، قد مات أبوك، « فآوى »، أي : جعل لك مأوى تأوى إليه عند عمك أبي طالب، فكفلك.
وقيل لجعفر بن محمد الصادق : لم أوتم النبي ﷺ من أبويه؟.
فقال : لئلاَّ يكون لمخلوق عليه حق.
وعن مجاهدٍ : هو من قول العرب : درة يتيمة إذا لم يكن لها مثل، فمجاز الآية ألم يجدك واحداً في شرفك، لا نظير لك، فآواك الله بأصحاب يحفظونك، ويحوطونك.
فصل في جواب سؤال
أورد ابن الخطيب هنا سؤالاً : وهو أنه كيف يحسن من الجواد أن يمن بنعمة، فيقول :﴿ ألمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فآوى ﴾، ويؤكد هذا السؤال أن الله - تعالى - حكى عن فرعون قوله لموسى ﷺ :﴿ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً ﴾ [ الشعراء : ١٨ ] في معرض الذَّم لفرعون فما كان مذموماً من فرعون، كيف يحسن من الله تعالى؟ قال : والجواب : أن ذلك يحسن إذا قصد بذلك تقوية قلبه، ووعده بدوام النعمة، ولهذا ظهر الفرق بين هذا الامتنان، وبين امتنان فرعون، لأن امتنان فرعون معناه : فما بالك لا تخدمني، وامتنان الله تعالى : زيادة نعمه، كأنه يقول : ما لك تقطع عني رجاءك، ألست شرعت في تربيتك أتظنني تاركاً لما صنعته، بل لا بد وأ أتمّ النعمة كما قال تعالى :﴿ وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ ﴾ [ البقرة : ١٥٠ ].
فإن قيل : إن الله تعالى منَّ عليه بثلاثة أشياء، ثم أمره أن يذكر نعمة ربه، فما وجه المناسبة؟.