وسمي القلم، لأنه يقلم ومنه تقليم الظفر، ولولا هي ما استقامت أمور الدينِ والدنيا.
وروى عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال :« قلت : يا رسول الله أكتب ما أسمع منك من الحديث؟ قال :» نَعَمْ، فاكتُبْ، فإنَّ الله علَّمَ بالقَلمِ « ».
ويروى أن سليمان عليه السلام سأل عفريتاً عن الكلام فقال : ريح لا يبقى. قال : فما قيده؟ قال : الكتابة.
وروى مجاهد عن ابن عمر - رضي الله عنه - قال : خلق الله تعالى أربعة أشياء بيده، ثم قال تعالى لسائر الحيوان : كن فكان : القلم، والعرش، وجنة عدن، وآدم ﷺ.
من علمه بالقلم؟ ثلاثة أقوال :
أحدها : قال كعب الأحبار : أول من كتب بالقلم آدم عليه السلام.
وثانيها : قول الضحاك : أول ما كتب إدريس ﷺ.
والثالث : أنه جميع من كتب بالقلم، لأنه ما علم إلاَّ بتعليم الله تعالى.
قال القرطبي : الأقلام ثلاثة في الأصل.
الأول : الذي خلقه الله تعالى بيده، وأمره أن يكتب.
والقلم الثاني : قلم الملائكة الذي يكتبون به المقادير، والكوائن والأعمال.
والقلم الثالث : أقلامُ النَّاسِ، جعلها الله بأيديهم يكتبون بها كلامهم، ويصلون بها مآربهم.
وروى عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله ﷺ :« لا تُسْكنُوا نِسَاءُكُم الغُرَفَ ولا تُعَلمُوهُنَّ الكِتابَة ».
قال بعض العلماء : وإنَّما حذَّرهم النبي ﷺ لأن في إسكانهم الغرف تطلُّعاً على الرجال، وليس في ذلك تحصُّن لهن ولا تستُّر، وذلك لأنهن لا يملكن أنفسهن، حتى يشرفن على الرجال، فتحدث الفتنة والبلاء، فحذرهم ان يجعلوا لهن غرفاً ذريعة إلى الفتنة. وهو كما قال رسول الله ﷺ :« لَيْسَ للنِّساءِ خَيْرٌ لَهُنَّ من ألاّ يَرَاهُنَّ الرِّجَالُ، ولا يَرَوْنَ الرِّجالَ ».
وذلك أنها خلقت من الرجل فنهمتها في الرجل، والرجل خلقت فيه الشَّهوة، وجعلت سكناً له، فكل واحد منهما غير مأمونٍ على صاحبه، وكذلك تعليم الكتابة، ربما كانت سبباً في الفتنة، لأنها إذا علمت الكتابة كتبت إلى من تهوى؛ فالكتابة عين من العيون بهما يبصر الشاهد الغائب، والخط آثار يده، وفيه تعبير عن الضمير بما لا ينطق به اللسانُ، فهي أبلغ من اللسان، فأحبَّ رسول الله ﷺ أن يقطع عنهن أسباب الفتنة تحصيناً لهنَّ، وطهارة لقلوبهن.
قوله تعالى :﴿ عَلَّمَ الإنسان مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾.
قيل : الإنسان هنا آدم - ﷺ - علمه أسماء كل شيءٍ، وقال تعالى :﴿ وَعَلَّمَ آدَمَ الأسمآء كُلَّهَا ﴾ [ البقرة : ٣١ ].
وقيل : الإنسان - هنا - محمد ﷺ لقوله تعالى :﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ﴾ [ النساء : ١١٣ ].
وقيل : عام، لقوله تعالى :﴿ والله أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً ﴾ [ النحل : ٧٨ ]، لأنه تعالى بين أنه خلقه من نطفة، وأنعم عليه بالنعم المذكورة، ثم ذكر أنه إذا زاد عليه في النعمة فإنه يطغى، ويتجاوز الحد في المعاصي، واتباع هوى النفس، وذلك وعيد وزجر عن هذه الطريقة.