قوله :﴿ جَزَآؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ ﴾. أي : ثوابهم عند خالقهم ومالكهم ﴿ جَنَّاتُ عَدْنٍ ﴾.
قال ابن الخطيب : قال بعض الفقهاء : من قال : لا شيء لي على فلان انتفى الدين، وله أن يدعي الوديعة، وإن قال : لا شيء لي عنده انصرف إلى الوديعة دون الدين، ولإن قال : لا شيء لي قبلهُ انصرف إليهماً معاً، فقوله تعالى :﴿ عِندَ رَبِّهِمْ ﴾ يفيد أنها أعيان مودعة عنده، والعين أشرف من الدين، والضمان إنما يرغب فيه خوف الهلاك، وهو محال في حقه تعالى. وتقدم الكلام على نظيره.
قوله :﴿ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الأنهار ﴾، الجنات : البساتين، والعدن : الإقامة، يقال : عدن بالمكان يعدن عدناً وعدوناً، أي : أقام. ومعدن الشيء : مركزه ومستقره، وقيل :« عدن » : بطنان الجنة ووسطها.
قوله :﴿ خَالِدِينَ فِيهَآ ﴾، حال عامله محذوف، تقديره : ادخلوها خالدين، أو أعطوها، ولا يجوز أن يكون حالاً من الضمير المجرور في « جزَاؤهُم » لئلا يلزم الفصلُ بين المصدر ومعموله بأجنبي، على أنَّ بعضهم : أجازه من « هم » واعتذر هنا بأن المصدر غير مقدر بحرف مصدري.
قال أبو البقاء : وهو بعيد، وأما « عِند ربِّهِمْ » فيجوز أن يكون حالاً من « جَزاؤهُمْ »، وأن يكون ظرفاً له، و « أبَداً » ظرف مكان منصُوب ب « خالدِيْنَ ». أي لا يظعنون ولا يموتون.
قوله :﴿ رِّضِىَ الله عَنْهُمْ ﴾، يجوز أن يكون دعاء مستأنفاً، وأن يكون خبراً ثانياً، وأن يكون حالاً ثانياً بإضمار « قَد » عند من يلزم ذلك.
قال ابن عباس :« رضي اللهُ عنهُمْ ورَضُوا عنه » أي : رضوا بثواب الله تعالى.
قوله :﴿ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ﴾ أي : ذلك المذكور من استقرار الجنة مع الخلود.
أي : خاف ربه، فتناهى عن المعاصي.
روى أنس - رضي الله عنه - « أن النبي ﷺ قال لأبيِّ بن كعب : إن الله تَعالَى أمَرنِي أنْ أقْرَأ عليْكَ :﴿ لَمْ يَكُنِ الذين كَفَرُواْ ﴾، قال : وسمَّاني لك؟ قال - عليه الصَّلاة والسلام - :» نَعم « فبكى » خرجه البخاري ومسلم.
قال القرطبيُّ :« من الفقه قراءة العالم على المتعلم ».
قال بعضهم : إنما قرأ النبي ﷺ على أبيٍّ، ليعلم الناس التواضع لئلا يأنف أحد من التعليم والقراءة على من دونه من المنزلة.
وقيل : إن أبياً كان أسرع آخذاً لألفاظ رسول الله ﷺ ويعلم غيره، فأراد بقراءته عليه أن يأخذ ألفاظه ويقرأ كما سمع منه ﷺ، وفيه فضيلة عظيمة لأبيّ رضي الله عنه وعن بقية الصحابة أجمعين إذ أمر ﷺ أن يقرأ عليه. والله أعلم.