وفي حديثها بأخبارها ثلاثةُ أقاويل :
أحدها : أن الله تعالى يقلبها حيواناً ناطقاً، فتتكلم بذلك.
الثاني : أن الله يحدث فيها الكلام.
الثالث : أنه يكون منها بيان يقوم مقام الكلام.
قال الطبريُّ : تبين أخبارها بالرَّجَّة، والزلزلة، وإخراج الموتى.
قوله :﴿ بِأَنَّ رَبَّكَ ﴾ متعلق ب « تُحدِّثُ »، أي : تحدث الأرض بما أوحى إليها ويجوز أن يتعلق بنفس أخبارها.
وقيل : الباء زائدة و « أنَّ » وما في حيزها بدل من أخبارها.
وقيل : الباء سببية، أي : بسبب إيحاء الله إليها.
وقال الزمخشريُّ :« فإن قلت : أين مفعولاً » تُحدِّثُ «؟.
قلت : حذف أولهما، والثاني : أخبارها، أي : تحدث الخلق أخبارها، إلا أن المقصود ذكر تحديثها الأخبار لا ذكر الخلق تعظيماً لليوم.
فإن قلت : بم تعلقت الباء، في قوله »
بأنَّ ربَّك «؟.
قلتُ : ب »
تحدث « ومعناه : تحدث أخبارها بسبب إيحاء ربك لها، وأمره إياها بالتحديث، ويجوز أن يكون المعنى : يومئذٍ تحدثُ بتحديث أن ربَّك أوحى لها أخبارها على أن تحديثها بأن ربِّك أوحى لها تحديث بأخبارها، كما تقول : نصحتني كُلَّ نصيحة بأن نصحتني في الدين ».
قال أبو حيان : وهو كلام فيه عفش، ينزه القرآن عنه.
قال شهاب الدين : وأي عفش فيه، فصحته وفصاحته، ولكنه لما طال تقديره من جهة إفادة هذا المعنى الحسن جعله عفشاً وحاشاه.
ثم قال الزمخشري :« ويجوز أن يكون » بأنَّ ربَّك « بدلاً من » أخبارها « كأنه قيل : يومئذ تحدث بأخبارها بأن ربَّك أوحى لها، لأنك تقول : حدثته كذا، وحدثته بكذا ».
قال أبو حيَّان :« وإذا كان الفعل تارة يتعدى بحرف جر، وتارة يتعدى بنفسه، وحرف الجر ليس بزائد، فلا يجوز في تابعه إلاَّ الموافقة في الإعراب، فلا يجوز :» استغفرتُ الذنب العظيم « بنصب » الذنب « وجر » العظيم « لجواز أنك تقول :» من الذنب «، ولا » اخترتُ زيداً الرجال الكرام « بنصب » الرجال « وخفض » الكرام « وكذلك لا يجوز :» استغفرتُ من الذنب العظيم « بجر » الذنب « ونصب » العظيم « وكذلك في » اخترتُ « فلو كان حرف الجر زائداً جاز الإتباع على موضع الاسم، بشروطه المحررة في علم النحو، تقول : ما رأيت من رجل عاقلاً، لأن » من « زائدة، ومن رجل عاقل على اللفظ، ولا يجوز نصب » رجل « وجر » عاقل « على مراعاة جواز دخول » من « وإن ورد شيء من ذلك، فبابه الشعر ». انتهى.
قال شهاب الدين : ولا أدري كيف يلزم الزمخشري ما ألزمه به من جميع المسائلِ التي ذكرها، فإن الزمخشري يقول : إن هذا بدل مما قبله، ثم ذكر مسوغ دخول الباءِ في البدل، وهو أن المبدل منه يجوز دخول الباء عليه، فلو حل البدل محل المبدل منه ومعه الباء لكان جائزاً، لأن العامل يتعدى به، وذكر مسوغاً لخلو المبدل منه من الباء، فقال :« لأنك تقول : حدثته كذا وحدثته بكذا »، وأما كونه يمتنع أن يقول :« استغفرتُ الذنب العظيم » بنصب « الذنب » وجرّ « العظيمِ » إلى آخره، فليس في كلام الزمخشري شيء منه ألبتة، ونظير ما قاله الزمخشري في باب « استغفر » ان تقول : استغفرت الله ذنباً من شتمي زيداً، فقولك « من شتمي » بدل من « الذنب »، وهذا جائزٌ لا محالة.


الصفحة التالية
Icon