قوله :﴿ أَفَلاَ يَعْلَمُ ﴾. لما عد عليه قبائح أفعاله خوّفه، فقال :﴿ أَفَلاَ يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي القبور ﴾.
العامل في « إذَا » أوجه :
أحدهما :« بُعْثِرَ » نقله مكيٌّ عن المبرِّد. وتقدم تحريره في السورة قبلها.
قال القرطبيُّ : العامل في « إذا » :« بعثر » ولا يعمل فيه « يعلمُ » إذ لا يراد به العلم من الإنسان ذلك الوقت؛ إنما يراد في الدنيا، ولا يعمل فيه « خبير » لأن ما بعد « إن » لا يعمل فيما قبلها، والعامل في « يَوْمئذٍ » :« خَبِيرٌ » وإن فصل اللام بينهما؛ لأن موضع اللام الابتداء، وإنما دخلت في الخبر لدخول « إن » على المبتدأ.
والثاني : ما دل عليه خبر « إن »، أي : إذا بعثر جوزوا.
والثالث : أنه « يَعْلمُ »، وإليه ذهب الحوفي وأبو البقاء، وردّه مكي، قال :« لأن الإنسان لا يراد منه العلم والاعتبار ذلك الوقت، وإنما يعتبر في الدنيا ويعلم ».
قال أبو حيان :« وليس بمتضح، لأن المعنى : أفلا يعلم الآن ».
وكان قال قبل ذلك :« ومفعول » يعلم « محذوف، وهو العامل في الظرف؛ أي : أفلا يعلم ما مآله إذا بُعثر » انتهى.
فجعلها متعدية في ظاهر قوله إلى واحد، وعلى هذا فقد يقال : إنها عاملة في « إذا » على سبيل أن « إذا » مفعول به لا ظرف؛ إذ التقدير : أفلا يعرف وقت بعثرة القبور، يعني أن يقر بالبعث ووقته، و « إذا » قد تصرفت وخرجت عن الظرفية، ولذلك شواهد تقدم ذكرها.
الرابع : أن العامل فيها محذوف، وهو مفعول « يَعْلَمُ »، كما تقدم.
وقرأ العامة :« بُعْثِرَ » - بالعين - مبنيًّا للمفعول، والموصول قائم مقام الفاعل.
وابن مسعود : بالحاء.
قال الفرَّاءُ : سمعت بعض أعراب بني أسد يقرأ « بحثر » بالحاء وحكاه الماوردي عن ابن مسعودٍ.
وقرأ الأسود بن زيد ومحمد بن معدان :« بحث » من البحث.
وقرأ نصر بن عاصم :« بَعْثَرَ » مبنياً للفاعل، وهو اللهُ أو الملك.
فصل في معنى الآية
المعنى « أفَلا يَعْلمُ »، أي : ابن آدم « إذَا بُعْثِرَ » أي : أثير وقلب وبحث، فأخرج ما فيها.
قال أبو عبيدة : بعثرت المتاع، جعله أسفله أعلاه.
قال محمد بن كعب : ذلك حين يبعثون.
فإن قيل : لم قال :« بُعثِرَ ما في القُبُور » ولم يقل : من في القبور؟ ثم إنه - تعالى - لما قال :« مَا فِي القُبورِ » فلم قال :﴿ إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ ﴾ ؟.