فإن قيل : لم وصف النصر بالمجيء، وحقيقته : إذا وقع نصر الله، فما الفائدة في ترك الحقيقة، وذكر المجاز؟.
فالجواب : أن الأمور مرتبطةٌ بأوقاتها، وأنه - تعالى - قد ربط بحدوث كلِّ محدث أسباباً معينة، وأوقاتاً مقدرة يستحيل فيها التقدم، والتأخر، والتبدل، والتغير، فإذا حضر ذلك الوقت، وجاء ذلك الزمان حضر ذلك الأثر معه، وإليه الإشارة بقوله :﴿ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ ﴾ [ الحجر : ٢١ ].
فإن قيل : الذين أعانوا رسول الله ﷺ على فتح مكة هم الصحابة - رضي الله عنهم - ثم إنه تعالى سمى نصرتهم لرسول الله ﷺ فما السبب في إضافة النصر إليه؟.
فالجواب : أن النصر وإن كان على يد الصحابة لكن لا بدَّ لهم من داعٍ وباعث، وهو من الله تعالى.
فإن قيل : فعلى هذا التقدير الذي ذكرتم يكون فعل العبد متقدماً على فعل الله، وهو خلاف قوله تعالى :﴿ إِن تَنصُرُواْ الله يَنصُرْكُمْ ﴾ [ محمد : ٧ ] فجعل نصر العبد مقدماً على نصره لنا.
فالجواب : أن لا امتناع في أن يكون فعل العبد سبباً لفعل آخر يصدر عن الله - تعالى - فإن أسباب الحوادث ومسبباتها على ترتيب عجيب تعجز عن إدراكها العقول البشرية.
قوله :﴿ وَرَأَيْتَ الناس يَدْخُلُونَ ﴾، « رأيت » يحتمل أن يكون معناه : أبصرت، وأن يكون معناه : علمت، فإن كان معناه « أبصرت » كان « يَدخُلونَ » في محل النصب على الحال، والتقدير : ورأيت الناس يدخلون حال دخولهم في دين الله أفواجاً، وإن كان معناه :« علمت » كان « يدخُلونَ » مفعولاً ثانياً ل « علمت » والتقدير : علمت الناس داخلين في دين الله أفواجاً.
وفي عبارة الزمخشري : أنه كان بمعنى « أبصرتُ »، أو « عرفت ».
وناقشه أبو حيان : بأن « رأيت » لا يُعرف كونها بمعنى « عرفت » قال :« فيحتاج في ذلك إلى استثبات ».
وقرأ العامة :« يدخلون » مبنياً للفاعل.
وابن كثير في رواية : مبنياً للمفعول و « فِي دِيْنِ » ظرف مجازي، وهو مجاز فصيح بليغ هاهنا.
قوله :﴿ أَفْوَاجاً ﴾ حال من فاعل « يَدخُلُونَ ».
قال مكي :« وقياسه :» أفوج « إلا أن الضمة تستثقل في الواو فشبهوا » فعلاً « - يعني بالسكون - ب » فَعل - يعني بالفتح - فجمعوه جمعه « انتهى.
أي : أن »
فَعْلاً « بالسكون، قياسه » أفعُل « ك » فَلْس « و » أفلُس « إلا أنه استثقلت الضمةُ على الواوِ، فجمعوه جمع » فعل « بالتحريك نحو : جمل، وأجمال، لأن » فعْلاً « بالسكون على » أفعال « ليس بقياس إذا كان فعلاً صحيحاً، نحو : فرخ وأفراخ وزند وأزناد، ووردت منه ألفاظ كثيرة، ومع ذلك فلم يقيسوه، وقد قال الحوفي شيئاً من هذا.


الصفحة التالية
Icon