﴿ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ ﴾ [ البروج : ١٦ ]، وأبو عمرو في رواية :« وامرأته » باختلاس الهاء دون إشباع.
قوله :﴿ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ ﴾ يجوز أن يكون « في جيدها » خبراً ل « امرأته »، و « حبل » فاعلاً به وأن يكون حالاً من امرأته على كونها فاعلة، و « حَبْلٌ » مرفوع به أيضاً، وأن يكون خبراً مقدماً و « حَبْلٌ » مبتدأ مؤخر، والجملة حالية أو خبر ثان.
والجيدُ : العُنُق.
قال امرؤ القيس :[ الطويل ]
٥٣٤٨- وجِيدٍ كَجِيدِ الرِّئْمِ لَيْسَ بفَاحِشٍ | إذَا هِيَ نَصَّتْهُ ولا بِمُعَطَّلِ |
وقيل : الليف مطلقاً.
قال النابغة :[ البسيط ]
٥٣٤٩- مَقْذُوفةٍ بدَخيسِ النَّحضِ بَازلُهَا | لَهُ صَريفٌ صَريفَ القََعْوِ بالمسَدِ |
٥٣٥٠- ومَسَدٍ أمِرَّ مِنْ أيانِقِ | ليْسَ بأنْيَابٍ ولا حَقَائِقِ |
وقال أبو عبيدة : هو حبل يكون من صوف.
وقال الحسن : هي حبال من شجرٍ ينبت ب « اليمن » يسمى المسد وكانت تفتل.
فصل
قال الضحاك وغيره : هذا في الدنيا، وكانت تعيرُ النبي ﷺ بالفقر، وهي تحتطب في حبلٍ تجعله في عنقها من ليفٍ، فخنقها الله - عزَّ وجلَّ - به فأهلكها، وهو في الآخرة حبل من نار يلف على عنقها.
وعن ابن عباس : حبل من مسد قال : سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً، وهو قول مجاهد وعروة بن الزبير، يدخل في فيها، ويخرج من أسفلها، ويلوى سائرها على عنقها، وقال قتادة :« حبل من مسد » حبل من وَدَعٍ.
وقال الحسن : إنما كان حرزاً في عنقها.
وقال سعيد بن المسيب : كانت قلادة واحدة من جوهر، فقالت : واللات والعزى لأنفقها في عداوة محمد ﷺ، ويكون عذاباً في جيدها يوم القيامة.
وقيل : إن ذلك إشارة إلى الخذلان يعني أنها مربوطة عن الإيمان بما سبق لها من الشقاء كالمربوط في جيدها بحبل من مسد.
والمسدُ : الفَتْلُ، يقال : مسد حبله يمسده مسداً، أي : أجاد فتلهُ.
قال :[ الرجز ]
٥٣٥١ يَمْسدُ أعْلَى لحْمِهِ ويَأرِمُهْ... يقول : إن البقل يقوي ظهر هذا الحمار.
وقال ابن الخطيب : وقيل : المسد يكون من الحديد، وظنُّ من ظنَّ أن المسد لا يكون من الحديد خطأ، لأن المسد هو المفتول سواء كان من الحديد، أو من غيره، ورجل ممسود، أي : مجدول الخلق وجارية حسنة المسد، والعصب، والجدل، والأرم، وهي ممسودة، ومعصوبة، ومجدولة، ومأرومة؛ والمساد : على « فِعَال » : لغة في المساب، وهي نحي السمن، وسقاء العسل، قال كل ذلك الجوهري.
[ فإن قيل : إن كان هذا الحبل كيف يبقى أبداً في النار؟.