وروى أبو العالية : أن النبي ﷺ ذكر آلهتهم، فقالوا : انسب لنا ربك، قال : فأتاه جبريل بهذه السورة :﴿ قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ ﴾.
قال الترمذي : وهذا أصحّ.
قال القرطبيُّ :« ففي هذا الحديث إثبات لفظ، » قل هو الله أحد «، وعن عكرمة نحوه ».
وقال ابن عباس :« لَم يلدْ » كما ولدت مريم، و « لَمْ يُولدْ » كما ولد عيسى، وعزير، وهو رد على النصارى، وعلى من قال : عزير ابن الله، ﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ ﴾ فقدم خبر كان على اسمها، لينساق أواخر الآي على نظم واحدٍ.

فصل في الكلام على الآية


قال ابن الخطيب : دل العقل على استحالة كونه تعالى ولداً ووالداً، والأحديَّةُ والصَّمديَّةُ يوجبان نفي كونه تعالى والداً، أو مولوداً، وذكر بعدهما كما ذكر النتيجة بعد الدليل.
قوله :﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ ﴾. في نصب « كُفُواً » وجهان :
أحدهما : أنه خبر « يَكُونُ » و « أحَدٌ » اسمها و « لهُ » متعلق بالخبر أي : ولم يكن كفواً له كما تقدم وقد رد المبرد على سيبويه بهذه الآية من حيث إنه يزعم أنه إذا تقدم الظَّرف كان هو الخبر وهنا لم يجعله خبراً مع تقدمه.
وقد رد على المبرِّد بوجهين :
أحدهما : أن سيبويه لم يحتم ذلك بل جوزه.
والثاني : أنا لا نسلم أنَّ الظرف هنا ليس بخبر، بل هو خبر، ونصب « كُفواً » على الحال، على ما سيأتي بيانه.
وقال الزمخشري : الكلام العربي الفصيح، أن يؤخر الظرف الذي هو لغو غير مستقر ولا يقدم، وقد نص سيبويه في كتابه على ذلك، فما باله مقدماً في أفصح كلام وأعربه؟
قلت : هذا الكلام إنما سيق لنفي المكافأة عن ذات الباري سبحانه، وهذا المعنى مصبُّه ومركزه هو هذا الظرف، فكان لذلك أهم شيء وأعناه، وأحقه بالتقديم وأحراه.
والثاني : أن ينصب على الحال من « أحدٌ »؛ لأنه كان صفة، فلما تقدم عليه نصب حالاً و « له » هو الخبر. قاله مكي، وأبو البقاء، وغيرهما.
ويجوز أن يكون حالاً من الضمير المستكن في الجار لوقوعه خبراً.
قال أبو حيان بعد أن حكى كلام الزمخشري ومكي : وهذه الجملة ليست من هذا الباب، وذلك أن قوله :﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ ﴾ ليس الجار والمجرور فيه تامَّا، إنما هو ناقص، لا يصلح أن يكون خبراً ل « كان » بل متعلق ب « كُفُواً »، وتقدم على « كُفُواً » للاهتمام به إذ فيه ضمير الباري تعالى وتوسط الخبر وإن كان الأصل التأخير؛ لآن تأخير الاسم هو فاصلة، فحسن ذلك، وعلى هذا الذي قررناه يبطل إعراب مكي وغيره، أن « لهُ » والخبر، و « كُفُواً » حال من « أحَدٌ » لأنه ظرف ناقص، ولا يصلح أن يكون خبراً، وبذلك يبطل سؤال الزمخشري وجوابه، وسيبويه إنما تكلم في الظرف الذي يصلح أن يكون خبراً، ويصلح أن يكون غير خبر.


الصفحة التالية
Icon