قال القرطبي : وتقدم في البقرة أن كل اسم على ثلاثة أحرف أوله مضموم، فإنه يجوز في عينه الضم والإسكان إلا قوله تعالى « أتتّخذنا هزواً ».
وقرأ سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس رضي الله عنهم « كفاء » بالكسر والمد أي لا مثل له، وأنشد للنابغة :[ البسيط ]
٥٣٥٩- لاَ تَقْذفنِّي برُكنٍ لا كِفاءَ لَهُ..........................................
وقرأ نافع في رواية : كِفَا بالكسر وفتح الفاء من غير مد كأنه نقل حركة الهمزة وحذفها.
والكفو النظير كقوله : هذا كفؤ لك : أي نظيرك، والاسم الكفاءة بالفتح.
قال ابن الخطيب : والتحقيق أنه تعالى لما أثبت الأحديَّة، والصمديّة، ونفى الوالدية، والمولودية ختم السورة بأن شيئاً من الموجودات يمتنع أن يساويه في شيء من صفات الجلال، والعظمة لانفراده سبحانه، وتعالى بوجوب الوجود لذاته.
فصل
روى أبو هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله ﷺ :« يَقُول الله تعالى : كذَّبنِي ابنُ آدمَ ولمْ يكُنْ لهُ ذلِكَ، وشَتمنِي ولمْ يكُنْ لهُ ذلِكَ، فأما تَكْذيبهُ فقوله : لن يُعِيدنِي كَمَا بَدأنِي، وليْسَ بأوَّل الخَلقِ وليس بأهْونَ عليَّ مِنْ إعَادَتِهِ، وأمَّا شتمهُ إيَّاي، فقوله : اتخذ الله ولداً، وأنا الأحدُ الصَّمَدُ، لم ألدْ ولم أولَدْ ولم يكن لي كفواً أحد ».
فصل في فضائل هذه السورة
روى البخاري عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - « أن رجلاً سمع رجلاً يقرأ :﴿ قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ ﴾ يرددها، فلما أصبح جاء النبي ﷺ فذكر ذلك له، فقال رسول الله ﷺ :» والَّذي نَفْسِي بيدهِ، إنَّها لتعْدِلُ ثُلثَ القُرآنِ « » لأن القرآن أنزل ثلاثاً؛ ثلثاً : أحكام. وثلثاً : وعد ووعيد. وثلثاً : أسماء وصفات، وجمعت هذه السورة أحد الأثلاث، وهو الأسماء والصفات.
وروى مسلم عن عائشة - رضي الله عنها - « أن النبي ﷺ بعث رجلاً على سرية فكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم، فيختم ب ﴿ قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ ﴾، فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله ﷺ، فقال :» سلُوه لأيِّ شيءٍ يصْنَعُ ذلِكَ «؟ فسألوه : فقال : لأنَّها صفةُ الرَّحمنِ، فأنا أحبُّ أن أقرأ بها، فقال رسول الله ﷺ » أخبرُوهُ أنَّ الله تعالى يُحِبُّهُ « ».
وروى الترمذي عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - « أن رسول الله ﷺ سمع رجلاً يقول :﴿ قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ ﴾ فقال رسول الله ﷺ :» وَجَبَتْ «، قلتُ : ومَا وَجبَتْ؟ قال :» الجَنَّةُ « ».
وروى أنس عن رسول الله ﷺ أنه قال :« مَنْ قَرَأ :﴿ قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ ﴾ خمسِينَ مرَّة غُفِرَتْ ذُنوبهُ ».