قوله :﴿ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ﴾، أي : فعاد عليكم بالعفو، وهذا يدل على أنه كان فيهم من ترك بعض ما أمر به.
وقيل :« فتَابَ علَيْكمْ » من فرض القيام أو عن عجزكم، وأصل التوبة الرجوع - كما تقدم - فالمعنى : رجع لكم من تثقيل إلى تخفيف، ومن عسر إلى إيسار، وإنما أمروا بحفظ الأوقات بالتحري، فخفف عنهم ذلك التحري.
وقيل : معنى قوله :﴿ والله يُقَدِّرُ الليل والنهار ﴾، أي : يخلقهما مقدرين، كقوله تعالى :﴿ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً ﴾ [ الفرقان : ٢ ].
قال ابنُ العربي : تقدير الخلقة لا يتعلق به حكم وإنما يربط الله به ما يشاء من وظائف التكليف. قوله :﴿ فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القرآن ﴾.
قيل : المراد نفس القراءةِ، أي : فاقرأوا فيما تصلون به بالليل ما خف عليكم.
قال السديُّ : مائة آية.
وقال الحسنُ : من قرأ مائة آية في ليلة لم يحاجه القرآن.
وقال كعبٌ : من قرأ في ليلةٍ مائة آيةٍ كتب من القانتين.
وقال سعيد بن جبير : خمسون آية.
قال القرطبي : قول كعب أصح، « لقوله - ﷺ - :» مَنْ قَامَ بِعشْرِ آيَاتٍ لمْ يُكتَبْ مِنَ الغَافِلِينَ، ومَنْ قَامَ بِمائَةِ آيةٍ كُتِبَ مِنَ القَانِتيْنَ، ومَنْ قَامَ بألفِ آيةٍ كُتِبَ من المُقنطرينَ « خرجه أبو داود الطيالسي.
وروى أنس بن مالك قال :» سمعت رسول الله ﷺ يقول :« مَنْ قَرَأ خَمْسينَ آيةً فِي يَومٍ أوْ فِي ليْلةٍ لَمْ يُكتَبْ مَنَ الغَافليْنَ، ومَنْ قَرَأ مِائةَ آيةٍ كُتِبَ مِنَ القَانِتينَ، ومَنْ قَرَأ مائَتَي آيةٍ لَمْ يُحَاجِّهِ القرآنُ إلى يَوْمِ القيامة، ومن قرأ خَمْسمائةِ آيةٍ كُتِبَ لَهُ قِنطارٌ مِنَ الأجْرِ ».
فقوله :« مَنَ المقُنَطرِيْنَ »، أي : أعطي قنطاراً من الأجر.
وجاء في الحديث :« أن القنطار : ألف ومائتا أوقية، والأوقية خير مما بين السماء والأرض ».
وقال أبو عبيدة : القناطيرُ، واحدها قنطار، ولا تجد العرب تعرف وزنه، ولا واحد للقنطار من لفظه.
وقال ثعلب : المعمول عليه عند العربِ أنه أربعة آلافِ دينارٍ، فإذا قالوا : قناطير مقنطرة فهي اثنا عشر ألف دينار.
وقيل : إن القنطار : ملء جلد ثور ذهباً.
وقيل : ثمانون ألفاً.
وقيل : هي جملة كثيرة مجهولة من المال، نقله ابن الأثير.
وقيل : المعنى :﴿ فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القرآن ﴾، أي : فصلوا ما تيسر عليكم، والصلاة تسمى قرآناً، قال تعالى :﴿ وَقُرْآنَ الفجر إِنَّ قُرْآنَ الفجر كَانَ مَشْهُوداً ﴾ [ الإسراء : ٧٨ ]، أي : صلاة الفجر.
قال ابن العربي :« والأول أصح، لأنه أخبر عن الصلاة وإليها يرجع القول ».
قال القرطبيُّ :« الأول أصح حملاً للخطاب على ظاهر اللفظ، والقول الثاني مجاز لأنه من تسمية الشيءِ ببعض ما هو من أعماله ».
فصل في بيان أن الآية ناسخة
قال بعض العلماءِ : قوله تعالى ﴿ فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القرآن ﴾ نسخ قيام الليل ونصفه، والنقصان من النصف، والزيادة عليه، ثم يحتمل قول الله - تعالى - ﴿ فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ﴾ معنيين :
أحدهما : أن يكون فرضاً ثانياً لأنه أزيل به فرض غيره.