قال ابن الخطيب : وهذا مردود، لأن الناقور اسم لما ينقر فيه لا لما ينقر فيه، ويحتمل أن يكون الصور محتوياً على ثقبين : ينقر في إحداهما، وينفخ في الأخرى، فإذا نفخ فيه للإصعاق جمع بين النقر، والنفخ، لتكون الصيحة أشد، وأعظم، وإذا نفخ فيه للإحياء، لم ينقر فيه بل يقتصر على النفخ لأن المراد إرسال الأرواح من ثقب الصور إلى أجسادها بنقرها من أجسادها بالنفخة الأولى للنقير، وهو نظير صوت الرعد؛ فإنه إذا اشتد فربما مات بسماعه، والصيحة الشديدة التي يصيحها رجل بصبي فيفزع منه فيموت.
قال ابن الخطيب : وفيه إشكال، وهو أن هذا يقتضي أن يكون النقر إنما يحصل عند صيحة الإصعاق وذلك اليوم غير شديد على الكافرين؛ لأنهم يموتون في تلك الساعة، إنما اليوم الشديد على الكافرين صيحة الإحياء، ولذلك يقول :﴿ ياليتها كَانَتِ القاضية ﴾ [ الحاقة : ٢٧ ]، أي : يا ليتنا بقينا على الموتة الأولى.
وقوله :« فَذلِكَ »، أي : فذلك اليوم يوم شديد على الكافرين « غير يَسيرٍ » أي : غير سهل، ولا هين وذلك أن عقدهم لا تنحل، إلا إلى عقد أشد منها، فإنهم يناقشون الحساب ويعطون كتبهم بشمائلهم، وتسودُّ وجوههم، ويحشرون زرقاً، وتتكلم جوارحهم، ويفضحون على رؤوس الأشهاد بخلاف المؤمنين الموحدين المذنبين فإنها تنحل إلى ما هو أخف، حتى يدخلوا الجنة برحمة الله تعالى فإنهم لا يناقشون الحساب، ويحشرون بيض الوجوه، ثِقال الموازين.
قال ابن الخطيب : ويحتمل أن يكون عسيراً على المؤمنين، والكافرين، على ما روي أن الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم - يفزعون يومئذ، وأن الولدان يشيبون، إلا أنه يكون على الكفار أشد فعلى الأول : لا يحسن الوقف على قوله ﴿ يَوْمٌ عَسِيرٌ ﴾، فإن المعنى : إنه على الكافرين عسير وغير يسير.
وعلى الثاني : يحسن الوقف، لأنه في المعنى : أنه في نفسه عسير على الكل ثم الكافر فيه مخصوص بزيادة تخصه، وهي أنه عليه عسير.
فصل في دليل الخطاب
قال ابن الخطيب : استدل بهذه الآية القائلون بدليل الخطاب، قالوا : لولا أن دليل الخطاب حجة وإلا فما فهم ابن عباس من كونه غير يسير على الكافرين كونه يسيراً على المؤمنين.