﴿ حمتَنزِيلُ الكتاب مِنَ الله العزيز العليم غَافِرِ الذنب وَقَابِلِ التوب شَدِيدِ العقاب ذِي الطول لاَ إله إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ المصير ﴾ [ غافر : ١ - ٣ ]، سمعه الوليد يقرأها، فقال : والله لقد سمعت منه كلاماً ما هو من كلام الإنس، ولا من كلام الجنِّ، وإنَّ له لحلاوة، وإنَّ عليه لطلاوة، وإنَّ أعلاه لمثمر، وإنَّ أسفله لمغدق وإنه ليعلو، وما يعلى عليه، وما يقول هذا بشر، فقالت قريش : صبأ الوليد لتصبونَّ قريش كلها، وكان يقال للوليد : ريحانة قريش، فقال أبو جهل : أنا أكفيكموه فانطلق إليه حزيناً، فقال له : ما لي أراك حزيناً، فقال : وما لي لا أحزن، وهذه قريش يجمعون لك نفقة يعينوك بها، ويزعمون أنك زينت كلام محمدٍ، وتدخل على ابن أبي كبشة، وابن أبي قحافة لتنال من فضل طعامهما، فغضب الوليدُ - لعنهُ الله - وتكبَّر، وقال : أنا أحتاجُ إلى كسرِ محمدٍ وصاحبه، وأنتم تعلمون قدر مالي، واللاتِ والعُزَّى ما بي حاجةٌ إلى ذلك وأنتم تزعمُون أن محمداً مجنون، فهل رأيتموه قط يخنق؟.
قالوا : لا والله، قال : وتزعمون أنه كاهنٌ، فهل رأيتموه تكهن قط؟ ولقد رأينا للكهنةِ أسجاعاً وتخالجاً، فهل رأيتموهُ كذلك؟.
قالوا : لا والله. وقال : تزعمون أنه شاعر فهل رأيتموه نطق بشعر قط؟ قالوا : لا والله.
قال : وتزعمون أنه كذَّاب، فهل جريتمْ عليه كذباً قط؟.
قالوا : لا والله. وكان النبي ﷺ يُسمَّى الصادق والأمين من كثرة صدقه، فقالت قريش للوليدِ : فما هو؟ ففكّر في نفسه ثم نظر ثم عبس، فقال : ما هذا إلا سحرٌّ أما رأيتموه يفرق بين الرجل وولده فذلك قوله تعالى :﴿ إِنَّهُ فَكَّرَ ﴾ أي في أمر محمدٍ والقرآن « وقدر » في نفسه ماذا يمكنهُ أن يقول فيهما.
قوله :﴿ فَقُتِلَ ﴾، أي : لعنَ.
وقيل : قُهِرَ وغلبَ.
وقال الزهري : عذب، وهو من باب الدعاء.
قال ابن الخطيب : وهذا إنما يذكرُ عند التعجب والاستعظام.
ومثله قولهم : قتلهُ اللَّهُ ما أشجعهُ، وأخزاه الله ما أفجره، ومعناهُ : أنه قد بلغ المبلغ الذي هو حقيق بأن يحسد ويدعو عليه حاسدهُ بذلك، وإذا عرف ذلك، فنقول : هنا يحتملُ وجهين :
الأول : أنه تعجب من قوة خاطره، يعني أنه لا يمكن القدحُ في أمر محمدٍ ﷺ بشبهةٍ أعظم ولا أقوى مما ذكرهُ هذا القائلُ.
الثاني : الثناءُ عليه على طريقةِ الاستهزاء، يعني أن هذا الذي ذكره في غاية الركاكة والسقوط.
قوله :﴿ كَيْفَ قَدَّرَ ﴾، أي : كيف فعل هذا، كقوله تعالى :﴿ انظر كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الأمثال ﴾ [ الإسراء : ٤٨ ] ثم قيل : بضرب آخر من العقوبة. « كيف قدَّر » على أيّ حال قدَّر. « ثم نظر » بأي شيء يردّ الحق ويدفعهُ.
قال ابن الخطيب : والمعنى أنه أولاً فكّر.