﴿ مَّثَلُ الجنة التي وُعِدَ المتقون ﴾ [ محمد : ١٥ ]، أي حديثها والخبر عنها.
وقال ابن الخطيب : إنما سمَّوه مثلاً؛ لأنه لمَّا كان هذا العدد عدداً عجيباً ظن القوم أنه رُبَّما لم يكن مراداً لله منه ما أشعر به ظاهره بل جعله مثلاً لشيء آخر تنبيهاً على مقصود آخر - لا جَرمَ سمَّوه مثلاً - لأنهم لمَّا اسغربوه ظنُّوا أنه ضرب مثلاً لغيره، و « مَثَلاً » تمييزٌ أو حالٌ، وتسمية هذا مثلاً على سبيل الاستعارة لغرابته.
فصل في لام :« وليقول »
« اللام » في قوله تعالى :﴿ وَلِيَقُولَ الذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ ﴾ جار على أصول أهل السُّنة؛ لأن ذلك مراد، وعند المعتزلة : هي لام العاقبة، ونسبوه إلى الله - تعالى - مع أنهم ينكرون ذلك، إما على سبيل التَّهكُّم، وإما على ما يقولونه.
قوله :﴿ كَذَلِكَ ﴾ : نعتٌ لمصدر، أو حالٌ منه على ما عرف، وذلك إشارة إلى ما تقدم من الإضلال والهدي أي : مثل ذلك الإضلالِ والهدى ﴿ يُضِلُّ الله مَن يَشَآءُ ﴾ كإضلال الله أبا جهل وأصحابه المنكرين لخزنة جهنم « يُضِلُّ » أي : يُعمي ويُخزي من يشاء، ويهدي من يشاء أي ويرشد من يشاء كإرشاد أصحاب رسول الله ﷺ، وهذه الآية تدل على مذهب أهل السنة؛ لأنه - تعالى - قال في أول هذه الآية :﴿ وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ وقال - جل ذكره - في آخر الآية :﴿ وَلِيَقُولَ الذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ والكافرون مَاذَآ أَرَادَ الله بهذا مَثَلاً ﴾، ثم قال سبحانه :﴿ كَذَلِكَ يُضِلُّ الله مَن يَشَآءُ ﴾.
وأما المعتزلة فذكروا تأويلاتهم المشهورة، وتقدم أجوبتها.
قوله :﴿ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ ﴾، « جُنُود ربِّك » : مفعولٌ واجبُ التقديم لحصر فاعله ولعود الضمير على ما اتصل بالمفعول.
فصل في تفسير الآية
أي : وما يدري عدد ملائكة ربك الذين خلقهم لتعذيب أهل النار « إلاَّ هُوَ » أي : الله تعالى، وهذا جواب لأبي جهل حين قال : ما لإله محمد ﷺ من الجنود إلاَّ تسْعةَ عشرَ إلاَّ أنَّ لكلِّ واحد منهم من الأعوان والجنود ما لا يعلم عددهم إلا هو، ويحتمل أن يكون المعنى ﴿ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ ﴾ لفرط كثرتها ﴿ إِلاَّ هُوَ ﴾ فلا يعز عليه تتميم الخزنة عشرين، ولكن له في هذا العدد حكمة لا يعلمها الخلق، وهو جل جلاله يعلمها.
ويكون المعنى : أنه لا حاجة بالله - سبحانه - في تعذيب الكفار والفساق إلى هؤلاء الخزنة، بل هو الذي يعذِّبهم في الحقيقة، وهو الذي يخلق الألم فيهم، ولو أنه - تعالى - قلب شعرة في عين ابن آدم أو سلط الألم على عرق واحد من عروق بدنه لكفاه ذلك بلاء ومحنة، فلا يلزم من تقليل عدد الخزنة قلَّةُ العذاب فجنود الله تعالى غير متناهية لأن مقدوراته غير متناهية
قال ﷺ :