وقال أبو البقاء في قراءة ابن جبير :« من أنشرت، إما بمعنى أمر بنشرها مثل ألحمت عرض فلان، أو بمعنى منشورة، مثل : أحمدت الرجل، أو بمعنى : أنشر الله الميِّت أي : أحياه : فكأنه أحياها فيها بذكره ».
قوله :﴿ كَلاَّ ﴾، أي : ليس يكون ذلك.
وقيل : حقّاً، والأول أجود، لأنه ردٌّ لقولهم. ثم قال :﴿ بَل لاَّ يَخَافُونَ الآخرة ﴾ أي : لا أعطيهم ما يتمنُّون لأنهم لا يخافون الآخرة فلذلك أعرضوا عن التأمُّل اغتراراً بالدنيا؛ فإنه لمَّا حصلت المعجزات الكثيرة في الدلالة على صحَّة النبوةِ فطلبُ الزيادة يكون عبثاً.
قوله :﴿ كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ ﴾. أي : حقّاً أنَّ القرآن عظة.
وقيل : هذا ردع لهم عن إعراضهم عن التذكرة ﴿ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ ﴾ بليغة ﴿ فمن شاء ذكره ﴾ أي : اتعظ به، وجعله نصب عينه.
والضمير في « إنه، وذكره » للتذكرة في قوله تعالى :﴿ فَمَا لَهُمْ عَنِ التذكرة مُعْرِضِينَ ﴾ وإنما ذُكِّرا؛ لأنهما في معنى الذِّكر والقرآن.
وقيل : الضمير في « إنه » للقرآن أو الوعيد.
قوله :﴿ وَمَا يَذْكُرُونَ ﴾.
قرأ نافع : بالخطاب، وهو التفات من الغيبة إلى الخطاب والباقون : بالغيبة حملاً على ما تقدم من قوله :« كُل امرىءٍ » ولم يُؤثِرُوا الالتفات.
وقراءة الخطاب، وهي اختيار أبي حاتم لأنه أعم.
وأما قراءة الغيبة فهي اختبار أبي عبيد لقوله تعالى :﴿ كَلاَّ بَل لاَّ يَخَافُونَ ﴾ واتفقواعلى تخفيفها.
قوله :﴿ إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله ﴾، بمعنى إلاَّ وقت مشيئته، لا أن ينوب عن الزمان، بل على حذف مضاف.
قالت المعتزلة : بل معناه : إلا أن يقدرهم الله - تعالى - على الذِّكر ويُهمَّهم إليه.
وأجيبوا : بأنه تعالى أبقى الذكر مطلقاً، واستثنى منه حال المشيئة المطلقة، فيلزم أنه متى حصلت المشيئةُ أن يحصلَ الذِّكرُ مطلقاً، فحيث لم يحصل الذكر علمنا أنه لم تحصُلِ المشيئة وتخصيص المشيئة بالمشيئة القهريَّة ترك للظاهر.
قوله تعالى :﴿ هُوَ أَهْلُ التقوى وَأَهْلُ المغفرة ﴾، أي : حقيقٌ بأن يتَّقيه عبادُه ويخَافُوا عِقابه فيُؤمِنوا ويُطِيعُوا، وحقيقٌ بأن يغفر لهم ما سلف من كفرهم إذا آمنوا وأطاعوا.
روى الترمذي وابن ماجة عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن رسول الله ﷺ أنه قال في قوله تعالى :﴿ هُوَ أَهْلُ التقوى وَأَهْلُ المغفرة ﴾ قال : قال الله تعالى :« أنَّا أهْلُ أنْ أُتَّقَى فَمَن اتَّقَى فَلَمْ يَجْعَلْ مَعِي إلهاً فَأنَا أهْل أنْ أغْفِرَ لَهُ ».
وقال بعض المفسرين : أهل المغفرة لمن تاب إليه من الذنوب الكبائر، وأهل المغفرة أيضاً للذنوب الصغائر.
روى الثعلبي عن أبيِّ بن كعب - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله ﷺ :« من قرأ ﴿ ياأيها المدثر ﴾ أعْطِيَ من الأجْرِ عَشْرَ حَسناتٍ بعَددِ من صَدَّقَ بمُحمَّدٍ ﷺ وكذَّبه ب » مكة « » والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon