الثاني : ذكر أن في قراءة عبدالله :« وَاََرِهِمْ مَنَاسِكَهُم وَتُبْ عَلَيْهم ».
الثالث : أنه قال عطفاً على هذا :﴿ رَبَّنَا وابعث فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ ﴾ [ البقرة : ١٢٩ ].
الرابع : تأولوا قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ﴾ [ الأعراف : ١١ ] بجعل خلقه إياه خلقه لهم إذ كانوا فيه، فكذلك لا يبعد أن يكون قوله :« أَرِنَا مَنَاسِكَنَا » أية « ذُرّيتنا ».
قال القرطبي رحمه الله تعالى : أجاب بعضهم عن هذا الإشكال فقال : إنهما لما قالا « وَتُبْ علينا » وهم أنبياء معصومون إنما طلبا التثبيت والدوام؛ لأنهما كان لهما ذنب.
قال القرطبي : وهذا حسن، وأحسن مه أن يقال : إنهما لما عرفا المَنَاسك وبنيا البيت أراد أن يبيّنا للناس، ويعرفاهم أن ذلك الموقف وتلك المواضع مكان التنصُّل من الذنوب وطلب التوبة.

فصل فيمن استدل بالآية على خلق الأفعال لله تعالى


دلّت الآية الكريمة على أن فعل العبد خلق الله تعالى لأنه ﷺ طلب من الله تعالى أن يتوب عليه، فلو كانت التوبة مخلوقة للعبد، لكان طلبها من الله تعالى [ مُحَالاً وجهلاً.
قالت المعتزلة : هذا معارض بما أن الله تعالى ] طلب التوبة منا. [ فقال ] ﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ توبوا إِلَى الله تَوْبَةً نَّصُوحاً ﴾ [ التحريم : ٨ ] ولو كانت فعلاً لله تعالى، لكان طلبها من العبد محالاً وجهلاً، وإذا ثبت ذلك حمل قوله :« وَتُبْ عَلَيْنَا » على التوفيق، وفعل الألطاف، أو على قبول التوبة من العبد.
والجواب :[ قال ابن الخَطِيْب ] متى لم يخلق الله تعالى داعيةً موجبة للتوبة استحال حصول التوبة، فكانت التوبة من الله تعالى لا من العَبْدِ، وتقرير دليل الداعي قد تقدم غير مرّة.

فصل في معنى التوبة


اعلم أن التوبة هي الرجوع، فمعنى توبة الله تعالى أن يرجع برضاه وتوحيده عليهم، ومعنى توبة العبد أن يرجع عما ارتكبه من المَعَاصي، فمتعلّق التوبة مختلف، وإذا اختلفت التعلّعات ضعفت دلالة الآية الكريمة على مذهب أهل السّنة.

فصل في الدعاء


قال بعضهم : إذا أراد الله من العبد أن يجيب دعاءه، فليدع بأسماء الله المناسبة لذلك الدعاء، فإن كان الدعاء للرحمة والمغفرة، فليدع باسم الغفار والتواب والرحيم وما أشبهه، وإن كان دعاؤه لشر، فليدع بالعزيز والمنتقم، وبما يناسبه. وتقدم الكلام على قوله :﴿ إِنَّكَ أَنتَ التواب الرحيم ﴾.


الصفحة التالية
Icon