في « إذ » خمسة أوجه :
أصحها : أنه منصوب ب « قال أسلمت »، أي : قال أسلمت وقت قول الله لم أسلم.
الثاني : أنه بدل من قوله :« في الدنيا ».
الثالث : أنه منصوب ب « اصطفيناه ».
الرابع : أنه منصوب ب « اذكر » مقدراً، ذكر أبو البقاء، والزمخشري، وعلى تقدير كونه معمولاً ل « اصطفيناه » أو ل « اذكر » مقدراً يبقى قوله :« قَالَ : أَسْلَمْتُ » غير منتظم مع ما قبله، إلاّ أن يقدر حذف حرف عطف أي : فقال، أو يجعل جواباً بسؤالٍ مقدر، أي ما كان جوابه؟
فقيل : قال أسلمت.
الخامس : أبعد بعضهم، فجعله مع ما بعده في محلّ نصب على الحال، والعامل في « اصْطَفَيْنَاه :.
وفي قوله :﴿ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ ﴾ التفات، إذ لو جاء على نسقه لقيل : إذ قلنا؛ لأنه بعد »
ولقد اصطفيناه «، وعكسه في الخروج من الغيبة إلى الخطاب قوله :[ البسيط ]
٧٩٥ بَاتَتْ تَشَكَّى إِلَيَّ النَّفْسُ مُجْهِشَةً... وَقَدْ حَمَلْتُكِ سَبْعاً بَعْدَ سَبْعِينا
وقوله :»
لرَبِّ الْعَالَمِينَ « فيه من الفخامة ما ليس في قوله » لك « أو » لربي «، لأنه إذا اعترف بأنه ربّ جميعا العالمين اعترف بأنه بربه وزيادة، بخلاف الأول، فذلك عدل عن العبارتين.
وفي قوله :»
أسلم « حَذْفُ مفعول تقديره : أسلم لربك.

فصل في تحرير وقت قول الله لإبراهيم : أسلم


الأكثرون على أن الله تعالى إنما قال ذلك قبل النبوة وقبل البلوغ، وذلك عند استدلاله بالكوكب والقمر والشمس، واطّلاعه على أمَارَات الحدوث فيها، فلما عرف ربه قال له تعالى :﴿ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ العالمين ﴾ ؛ لأنه لا يجوز أن يقول له ذلك قبل أن يعرف ربه، ويحتمل أيضاً أن يكون قوله :»
أسلم « كان قبل الاستدلال، فيكون المراد من هذا القول دلالة الدليل عليه [ لا نفس القول ] على حسب مذاهب العرب في هذا، كقول الشاعر :[ الرجز ]
٧٩٦ إِمْتَلأَ الْحَوْضُ وَقَالَ : قَطْنِي... مَهْلاً رُوَيْداً قَدْ مَلأْتِ بَطْنِي
ويدل على ذلك قوله تعالى :﴿ أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُواْ بِهِ يُشْرِكُونَ ﴾ [ الروم : ٣٥ ] فجعل دلالة البُرْهان كلاماً.
وذهب بعضهم إلى أن هذا الأمر بعد النبوة، واختلفوا في المراد منه.
فقال الكلبي والأصمّ : أخلص دينك، وعبادتك لله تعالى.
وقال عطاء : أسلم نفسك إلى الله، وفوّض أمورك إليه.
قال : أسلمت، أي : فوضت.
قال ابن عباس رضي الله عنهما : وقد تحقّق ذلك حيث لم يأخذ من الملائكة من ألقي في النار.
قال القرطبي : والإسلام هنا على أتم وجوهه، فالإسلام في كلام العرب الخضوع والإنقياد للمستسلم والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon