٨١٢ فَيَوْمٌ علَيْنَا وَيَوْمٌ لَنَا وَيَوْمٌ نُسَاءُ وَيَوْمٌ نُسَرْ
أي : نُسَاءُ فيه ونُسَرُّ فيه.
قوله :« من ربِّهم » فيه ثلاثة أوجه :
أحدهما وهو الظاهر أنه في محل نصب، و « من » لابتداء الغايةن ويتعلّق ب « أوتي » الثانية إن أَعَدْنَا الضمير على النبيين فقط دون موسى وعيسى، أو ب « أوتي » الأولى، وتكون الثانية تكراراً لسقوطها في « آل عمران » إن أعدنا الضمير على موسى وعيسى عليهما السلام والنبيين.
الثاني : أن يكون في محلّ نصب على الحال من العائد على الموصول فيتعلّق بمحذوف تقديره : وما أوتيه كائناً من ربهم.
الثالث : أنه في محل رفع لوقوعه خبراً إذا جعلنا « ما » مبتدأ.
قوله :« بين أحد » متعلق ب « لا نفرق »، وفي « أحد » قولان :
أظهرهما : أنه الملازم للنفي الذي همزته أصلية، فهو للعموم وتحته أفراد، فلذلك صحّ دخول « بين : عليه من غير تقدير معطوف نحو :» المال بين الناس «.
والثاني : أنه الذي همزته بدل من »
واو « بمعنى واحدٍ، وعلى هذا فلا بد من تقدير معطوف ليصح دخول » بين « على متعدد، ولكنه حذف لفهم المعنى، والتقدير : بَيْنَ أحدٍ منهم؛ ونظيره ومثله قول النابغة :[ الطويل ]
٨١٣ فَمَا كَانَ بَيْنَ الخَيْرِ لَوْ جَاءَ سَالِماً أَبُو حُجُرٍ إلاَّ لَيَالٍ قَلاَئِلُ
أي : بين الخير وبَيْنِي.
و »
له « متعلِّق ب » مُسْلِمُون «، قدم للاهتمام به لعود الضمير على الله تعالى أو لتناسب الفواصل.

فصل في الكلام على الآية


قدم الإيمان بالله؛ لأن من لا يعرف الله يستحيل أن يعرف نبيًّا أو كتاباً، فإذا عرف الله، وآمن به عرف أنبياءه، وما أنزل عليهم.
وقوله :﴿ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ ﴾ فيه وجهان :
الأول : لا نؤمن ببعض ونكفر ببعض كما فعلت اليهود والنصارى، بل نؤمن بالكل، روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام؛ فقال رسول الله ﷺ »
لاَ تُصَدِّقُوا أَهْلَ الكِتَابِ ولا تُكَذِّبُوهُمْ وَقُولُوا : آمَنَّا باللهِ وَمَا أُنْزِلَ... « الآية.
الثاني : لا نقول : إنهم متفرقون في أصول الديانات، بل هم يجتمعون على الأصول التي هي الإسلام كما قال تعالى :﴿ شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدين مَا وصى بِهِ نُوحاً والذي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وموسى وعيسى أَنْ أَقِيمُواْ الدين وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ كَبُرَ عَلَى المشركين ﴾ [ الشورى : ١٣ ].
[ فإن قيل : كيف يجوز الإيمان بأبراهيم وموسى وعيسى مع القول بأن شرائعهم منسوخة؟
قلنا : نحن نؤمن بأن كل واحد من تلك الشرائع كان حقاً في زمانه، فلا تلزمنا المناقضة، وإنما تلزم المناقضة لليهود والنصارى؛ لاعترافهم بنبوة من ظهر المعجز على يده. لم يؤمنوا ].
وقوله :»
وَنَحْنُ مُسْلِمُونَ « يعنى أن إسلامنا لأجل طاعة الله لا لأجل الهوى.


الصفحة التالية
Icon