﴿ والسمآء وَمَا بَنَاهَا ﴾ [ الشمس : ٥ ].
وإما الكتاب المنزل.
[ والثاني : أنها مصدرية، وقد تقدم ذلك.
والضمير في « به » فيه أيضاً وجهان :
أحدهما : أنه يعود على الله تعالى كما تقدم ]
والثاني : أن يعود على « ما » إذا قيل : إنها بمعنى الذي.
قوله :« فَقَدِ اهْتَدَوا » جواب الشرط في قوله :« فَإِنْ آمَنُوا »، وليس الجواب محذوفاً، كهو في قوله :﴿ وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ ﴾ [ فاطر : ٤٠ ]، لأن تكذيب الرسل ماض محقق هناك، فاحتجنا إلى تقدير جواب.
وأما هنا فالهداية منهم لم تقع بعد، فهي مستقبلة معنى، وإن أبرزت في لفظ المعنى.
[ قال ابن الخطيب : والآية تدل على أن الهدىية كانت موجودة قبل هذا الاهتداء، وتلك الهداية لا يمكن حملها إلا على الدلائل التي نصبها الله تعالى وكشف عنها، وبين وجوه دلالتها، ثم بيَّن وجه الزجر وما يلحقهم إن تولوا، فقال :﴿ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ ﴾ ].
قوله :« فِي شِقَاقٍ » خبر لقوله :« هم »، وجعل الشقاق ظرفاً لهم، وهم مظروفون له مبالغة في الأخبار باستعماله علهيم، وهو أبلغ من قولك : هم مُشَاقّونَ، وفيه :﴿ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ ﴾ [ الأعراف : ٦٦ ] ونحوه.
والشِّقَاق : مصدر من شاقَّهُ يُشَاقّه نحو : ضاربه ضِراباً، ومعناه المخالفة والمعاداة.
وفي اشتقاقه ثلاثة أقوال :
أحدها : أنه من الشّق وهو الجانب. وذلك أن أحد المشاقين يصير في شقّ صابحه، أي : جانبه؛ قال امرؤ القيس :[ الطويل ]

٨١٦ إذَا مَا بَكَى مِنْ خَلْفِهَا انْصَرَفَتْ لَهُ بِشِقِّ وَشِقٌّ عِنْدَنَا لَمْ يُحَوَّلِ
أي : بجانب.
الثاني : أنه من المشقة، فإن كلاًّ منهما يحرص على ما يَشُقّ على صاحبه.
الثالث : أنه من قولهم :« شققتُ العَصَا بين وبينك »، وكانوا يفعلون ذلك عند تعاديهم.

فصل في الكلام على الآية


قال ابن الخطيب : معناه إن تركوا مثل هذا الإيمان فقد التزموا المناقضة، والعاقل لا يلتزم المناقضة ألبتة، فحيث التزموها علمنا أنه ليس غرضهم طَلَب الدين، والانقياد للحق، وإنما غرضهم المنازعة، وإظهار العداوة.
قال ابن عباس وعطاء رضي الله عنهما « فإنما هم في شِقَاقٍ » أي : في خلاف منذ فارقوا الحقّ، وتمسّكوا بالباطل، فصاروا مخالفين لله.
وقال أبو عبيدة ومقاتل :« في شِقَاقٍ »، أي : في ضلال.
وقال ابن زيد : في منازعة ومُحَاربة.
وقال الحسن : في عداوة.
قال القاضي : ولا يكاد يقال في المُعَاداة على وجه الحق، أو المخالفة التي لا تكون معصية : إنه شقاق، وإنما يقال ذلك في مخالفة عظيمة توقع صاحبها في عداوة الله وغضبه ولعنته وفي استحقاق النَّار، فصار هذا القول وعيداً منه تعالى لهم، وصارَ وَصْفُهُمْ بذلك دليلالآ على أنهم معادون للرسول، مضمرون له السوء مترصّدون لإيقاعه في المِحَنِ، فعند هذا آمنه الله تعالى ت من كيدهم، وآمن المؤمنين من شرّهم ومكرهم، [ فقال :« سَيَكْفِيكَهُمْ اللهُ » تقوية لقلبه وقلوب المؤمنين ].


الصفحة التالية
Icon